الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الرَّابِعُ: عِصمةُ دَمِ المُستَأمَنِ ومالِ المُستَأمَنِ


يَحرُمُ دَمُ ومالُ المُستَأمَنِ بالأمانِ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
قَولُه تعالى: وإن أحَدٌ مِنَ المُشرِكينَ استَجارَكَ فأجِرهُ حَتَّى يَسمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أبلِغهُ مَأمَنَه ذلك بأنَّهم قَومٌ لا يَعلَمونَ [التوبة: 6] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ أي: طَلَبَ مِنكَ أن تُجيرَه وتَمنَعَه مِنَ الضَّرَرِ [378] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 329). ، وذلك يَشمَلُ الدَّمَ والمالَ.
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((مَن قَتَلَ مُعاهَدًا لَم يَرِحْ رائِحةَ الجَنَّةِ، وإنَّ ريحَها يوجَدُ مِن مَسيرةِ أربَعينَ عامًا)) [379] أخرجه البخاري (6914). .
2 – عَنِ ابنِ عُمَرَ، قال: إنِّي سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((يُنصَبُ لكُلِّ غادِرٍ لواءٌ يَومَ القيامةِ)) [380] أخرجه البخاري (7111). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
فيه غِلَظُ تَحريمِ الغَدرِ لا سيَّما مِن صاحِبِ الوِلايةِ العامَّةِ؛ لأنَّ غَدرَه يَتَعَدَّى ضَرَرُه [381] يُنظر: ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/8). .
3- عَن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((قال اللهُ: ثَلاثةٌ أنا خَصمُهم يَومَ القيامةِ: رَجُلٌ أعطى بي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجُلٌ باعَ حُرًّا فأكَلَ ثَمَنَه، ورَجُلٌ استَأجَرَ أجيرًا فاستَوفى مِنهُ ولَم يُعطِ أجرَهـ)) [382] أخرجه البخاري (2227). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: ((رَجُلٌ أعطى بي ثُمَّ غَدَرَ)) أي: أعطى الأمانَ باسمي أو بذِكري أو بما شَرَعتُه مِن ديني، ذلك أن تَقولَ للمُستَجيرِ: لك ذِمَّةُ اللهِ أو عَهدُ اللهِ، ثُمَّ تَغدِرَ به بَعدَ ذلك [383] يُنظر: ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/190). .
ثالثًا: من الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبدِ البَرِّ [384] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (الغَدرُ أن يُؤَمَّنَ ثُمَّ يُقتَلَ، وهذا حَرامٌ بإجماعٍ، والغَدرُ والقَتلُ سَواءٌ). ((الاستذكار)) (5/33). ، وابنُ رُشدٍ الحفيدُ [385] قال ابنُ رُشدٍ الحَفيدُ: (القَتلُ إنَّما يَجوزُ إذا لَم يَكُنْ يوجَدُ بَعدَ تَأمينٍ، وهذا ما لا خِلافَ فيه بَينَ المُسلِمينَ). ((بداية المجتهد)) (2/145). ، والزَّركَشيُّ [386] قال الزَّركَشيُّ: (يَصِحُّ إعطاءُ الأمانِ للكُفَّارِ في الجُملةِ بالإجماعِ، فيَحرُمُ قَتلُهم ومالُهم والتَّعَرُّضُ لهم). ((شرح الزركشي)) (6/484). ، وابنُ رَجَبٍ [387] قال ابنُ رَجَبٍ: (لَو أعطَينا الأمانَ لواحِدٍ مِن أهلِ حِصنٍ أو أسلَمَ واحِدٌ مِنهُم ثُمَّ تَداعَوه، حَرُمَ قَتلُهم بغَيرِ خِلافٍ). ((القواعد)) (ص: 241). ، والشَّوكانيُّ [388] قال الشَّوكانيُّ: (المُعاهَدُ هو الرَّجُلُ مِن أهلِ دارِ الحَربِ يَدخُلُ إلى دارِ الإسلامِ بأمانٍ، فيَحرُمُ على المُسلِمينَ قَتلُه بلا خِلافٍ بَينَ أهلِ الإسلامِ، حَتَّى يَرجِعَ إلى مَأمَنِهـ). ((نيل الأوطار)) (7/18، 19). .

انظر أيضا: