الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: قَتلُ الأَسْرى مِنَ النِّساءِ والصِّبيانِ إذا لَم يُقاتِلوا


لا يَجوزُ قَتلُ الأَسْرى مِنَ النِّساءِ والصِّبيانِ إذا لَم يُقاتِلوا.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
قال اللهُ تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة: 190] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أمَرَ بقِتالِ مَن يُقاتِلونَ المُسلِمينَ، والنِّساءُ والصِّبيانُ في العادةِ لَيسوا مِن أهلِ القِتالِ، والاعتِداءُ هو قَتلُ مَن نُهينا عَن قَتلِه مِنهُم، وهمُ النِّساءُ والصِّبيانُ إذا لَم يُقاتِلوا، والمُفاعَلةُ في الأصلِ لا تَكونُ إلَّا مِن طَرَفَينِ [120] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/ 320) ((أحكام القرآن)) لابن العربي (1/ 148) ((تفسير القرطبي)) (2/ 348) ((تيسير البيان لأحكام القرآن)) لابن نور الدين (1/ 279). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهُما، قال: ((وُجِدَتِ امرَأةٌ مَقتولةً في بَعضِ مَغازي رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فنَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَن قَتلِ النِّساءِ والصِّبيانِ)) [121] أخرجه البخاري (3015) واللفظ له، ومسلم (1744). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
الحَديثُ صَريحٌ في النَّهيِ عَن قَتلِ النِّساءِ، وذلك إذا لَم يُشارِكنَ في القِتالِ [122] يُنظر: ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 496). .
2- عَن عَطيَّةَ القُرَظيِّ، قال: ((عُرِضنا على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَومَ قُرَيظةَ، فكانَ مَن أنبَتَ قُتِلَ، ومَن لَم يُنبِتْ خُلِّيَ سَبيلُه، فكُنتُ مِمَّن لَم يُنبِتْ؛ فخُلِّيَ سَبيلي)) [123] أخرجه الترمذي (1584)، وابن ماجه (2541)، وأحمد (18776). صَحَّحه ابن حبان في ((صحيحهـ)) (4780)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/671)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1584)، وقال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ، وقال الوادعي في ((الإلزامات والتتبع)) (88): على شرطِ الشَّيخينِ. .
ثالثًا: من الآثارِ
عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: (لا تَقتُلوا النِّساءَ ولا الصِّبيانَ، ولا الشَّيخَ الكَبيرَ، ولا مَن ألقى إلَيكُمُ السَّلَمَ وكَفَّ يَدَه، فإن فعَلتُم هذا فقدِ اعتَدَيتُم) [124] أخرجه الطبري في ((التفسير)) (3/291) واللفظ له، وابن أبي حاتم في ((التفسير)) (1721). .
رابعًا: من الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: الجَصَّاصُ [125] قال الجَصَّاصُ: (لا خِلافَ أنَّ قَتلَ النِّساءِ والذَّراريِّ مَحظورٌ). ((أحكام القرآن)) (1/ 321). ، وابنُ بطَّالٍ [126] قال ابنُ بَطَّالٍ: (لا يَجوزُ عِندَ جَميعِ العُلَماءِ قَصدُ قَتلِ نِساءِ الحَربيِّينَ ولا أطفالِهم؛ لأنَّهُم لَيسوا مِمَّن قاتَلَ في الغالِبِ). ((شرح صحيح البخاري)) (5/ 170). ، وابنُ حَزمٍ [127] قال ابنُ حَزمٍ: (اتَّفَقوا أنَّهُ لا يَحِلُّ قَتلُ صِبيانِهم ولا نِسائِهمُ الذينَ لا يُقاتِلونَ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 119). ، وابنُ عَبدِ البَرِّ [128] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (أجمَعَ العُلَماءُ على القَولِ بجُملةِ هذا الحَديثِ [يَعني: حَديثَ النَّهيِ عَن قَتلِ النِّساءِ]، ولا يَجوزُ عِندَهم قَتلُ نِساءِ الحَربيِّينَ ولا أطفالِهم؛ لأنَّهم ليسوا مِمَّن يُقاتِلُ في الأغلَبِ، واللَّهُ عَزَّ وجَلَّ يَقولُ: وقاتِلوا في سَبيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلونَكُم). ((التمهيد)) (16/ 138). ويُنظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (5/ 24). ، والقاضي عِياضٌ [129] قال القاضي عِياضٌ: (أجمَعَ العُلَماءُ على الأخذِ بهذا الحَديثِ في تَركِ قَتلِ النِّساءِ والصِّبيانِ إذا لَم يُقاتِلوا). ((إكمال المعلم)) (6/ 48). ، وابنُ رُشدٍ [130] قال ابنُ رُشدٍ الحَفيدُ: (لا خِلافَ بَينَهم في أنَّه لا يَجوزُ قَتلُ صِبيانِهم ولا قَتلُ نِسائِهم ما لَم تُقاتِلِ المَرأةُ والصَّبيُّ، فإذا قاتَلَتِ المَرأةُ استُبيحَ دَمُها). ((بداية المجتهد)) (2/146). ، والنَّوَويُّ [131] قال النَّوويُّ: (أجمَعَ العُلَماءُ على العَمَلِ بهذا الحَديثِ، وتَحريمِ قَتلِ النِّساءِ والصِّبيانِ إذا لَم يُقاتِلوا). ((شرح مسلم)) (12/ 48). ، وابنُ العَطَّارِ [132] قال ابنُ العَطَّارِ: (أجمَعَ العُلَماءُ على العَمَلِ بهذا الحَديثِ، وتَحريمِ قَتلِ النِّساءِ والصِّبيانِ إذا لَم يُقاتِلوا). ((العدة في شرح العمدة)) (3/ 1696). ، وابنُ تَيميَّةَ [133] قال ابنُ تيميَّةَ: (ولا تُقتَلُ نِساؤُهم إلَّا أن يُقاتِلنَ بقَولٍ أو عَمَلٍ، باتِّفاقِ العُلَماءِ). ((مجموع الفتاوى)) (28/ 414). .
خامسًا: لأنَّ النِّساءَ والصِّبيانَ لَيسوا مِن أهلِ القِتالِ في الغالِبِ، فلا يُباحُ قَتلُهم [134] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (5/ 170)، ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 496). .
سادسًا: أنَّ الأصلَ هو عَدَمُ إتلافِ النُّفوسِ، وإنَّما أُبيحَ مِنهُ ما يَقتَضي دَفعَ المَفسَدةِ، ومَن لا يُقاتِلُ ولا هو أهلٌ للقِتالِ في العادةِ لا يُحدِثُ ضَرَرًا كَمَن يُقاتِلُ، فيُرجَعُ إلى الأصلِ فيهم، وهو عَدَمُ القَتلِ [135] يُنظر: ((التوضيح)) لخليل (3/ 427). .
سابعًا: في استِبقاءِ النِّساءِ والصِّبيانِ وعَدَمِ قَتلِهم مَصلَحةٌ للمُسلِمينَ؛ إمَّا باستِرقاقِهم، أوِ الفِداءِ [136] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (6/ 148)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (4/ 190). .

انظر أيضا: