الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: هَل تُحَدَّدُ مُدَّةٌ للحُكمِ بوفاةِ المَفقودِ؟


اختَلَفَ الفُقَهاءُ في تَحديدِ مُدَّةٍ للحُكمِ بوفاةِ المَفقودِ، على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: لا بُدَّ مِن تَحديدِ مُدَّةٍ لانتِظارِ المَفقودِ للحُكمِ بوفاتِه [374] اختَلَفَ القائِلونَ بتَحديدِ المُدَّةِ إلى أقوالٍ: فالحَنَفيَّةُ في ظاهِرِ الرِّوايةِ قالوا: يُقدَّرُ بمَوتِ الأقرانِ في السِّنِّ، واختَلَفوا في المُرادِ بمَوتِ أقرانِه؛ فقيلَ: مِن جَميعِ البِلادِ، وقيلَ: مِن بَلَدِه، وهو الأصَحُّ. ويُقدَّرُ بتِسعينَ سَنةً، وقيلَ: بمِائةِ سَنةٍ، وقيلَ: بمِائةٍ وعِشرينَ سَنةً، واختارَ المُتَأخِّرونَ سِتِّينَ سَنةً. يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (30/ 47)، ((البحر الرائق شرح كنز الدقائق)) لابن نجيم (5/ 178)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/ 296). وقال المالِكيَّةُ: يُحَدَّدُ بتَعميرِ مُدَّةٍ يَعيشُ إليها غالِبًا، فقيلَ: هيَ سَبعونَ، وهو الرَّاجِحُ، وقيلَ: ثَمانونَ، وقيلَ: تِسعونَ، وقيلَ: مِائةٌ. ولَهم تَفصيلٌ في هذه المُدَدِ على أربَعةِ أحوالٍ. يُنظر: ((شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني)) (4/ 385)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (2/ 482،483). وعِندَ الحَنابِلةِ: تَختَلِفُ المُدَّةُ حَسَبَ حالِ المَفقودِ؛ فإن كان الغالِبُ مِن حالِه الهَلاكَ يُنتَظَرُ أربَعَ سِنينَ، وإن كان الغالِبُ عَدَمَ الهَلاكِ يُنتَظَرُ حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوتُه، أو يَمضيَ عليه مُدَّةٌ لا يَعيشُ مِثلَها، والمَذهَبُ أنَّها تِسعونَ سَنةً. يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/ 465). ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [375] ((المبسوط)) للسرخسي (30/ 47)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/ 311، 312).          ، والمالِكيَّةِ [376] ((شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني)) (4/ 385)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/ 387)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (2/ 482). ، والحَنابِلةِ [377] ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/ 465)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (4/ 630).        ، وقَولٌ للشَّافِعيَّةِ [378] ((حاشية الشرواني على تحفة المحتاج)) (6/ 422).    ؛ وذلك لأنَّ الغالِبَ أنَّه لا يَعيشُ الإنسانُ أكثَرَ مِنَ المُدَدِ المُحَدَّدةِ [379] وهيَ المُدَدُ التي اعتَمَدَها كُلُّ مَذهَبٍ. يُنظر: ((البحر الرائق شرح كنز الدقائق)) (5/ 178)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (2/ 482،483)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/ 465).              .
القَولُ الثَّاني: مُدَّةُ انتِظارِ المَفقودِ لا تُحَدَّدُ بزَمَنٍ، بَل يُرجَعُ لاجتِهادِ القاضي، فيُقدِّرُ كُلَّ حالةٍ بحَسَبِها، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ [380] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/ 422)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (6/ 29). ، وقَولٌ لبَعضِ الحَنَفيَّةِ [381] ((تبيين الحقائق)) (3/311،312). ، وروايةٌ للحنابِلةِ [382] هذه الرِّوايةُ في الحالةِ الثَّانيةِ، فيما إذا كان الغالِبُ عَدَمَ الهَلاكِ. يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/ 389). ، وهو اختيارُ ابنِ عُثَيمين [383] قال ابنُ عُثَيمينَ: (والصَّوابُ أنَّ الرُّجوعَ في تَقديرِها إلى اجتِهادِ الحاكِمِ، ويَختَلِفُ ذلك باختِلافِ الأشخاصِ والأحوالِ والأماكِنِ والحُكوماتِ، فيُقدَّرُ ‌مُدَّةً للبَحثِ عنه، بحَيثُ يَغلِبُ على الظَّنِّ تَبَيُّنُ حَياتِه لو كان مَوجودًا، ثُمَّ يُحكَمُ بمَوتِه بَعدَ انتِهائِها). ((تسهيل الفرائض)) (ص: 126). ؛ وذلك لأنَّ الأصلَ حَياتُه، والتَّقديرُ لا يُصارُ إليه إلَّا بتَوقيفٍ، ولا تَوقيفَ هاهنا؛ فوجَبَ التَّوقُّفُ عنه [384] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/ 389). .

انظر أيضا: