الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّاني: الإرثُ بالتَّعصيبِ


مِن أنواعِ الوارِثينَ: مَن يَرِثُ بالتَّعصيبِ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [النساء: 33] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ المُرادَ بالأقرَبينَ هَاهنا عَصَبةُ المَيِّتِ، فيَكونُ المَعنى: ولكُلِّكُم -أيُّها النَّاسُ- جَعَلنا عَصَبةً يَرِثونَه مِمَّا تَرَكَ والِداه وأقرَبوه مِن ميراثِهم له [207] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (9/ 70)، ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/288).          .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهُما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ألحِقوا الفَرائِضَ بأهلِها، فما بَقيَ فهو لأَولى رَجُلٍ ذَكَرٍ)) [208] أخرجه البخاري (6732)، ومسلم (1615). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
المُرادُ: أعطوا الفَرائِضَ المُقدَّرةَ لمَن سَمَّاها اللهُ لهم، فما بَقيَ بَعدَ هذه الفُروضِ فيَستَحِقُّه أَولى الرِّجالِ، والمُرادُ بالأَولى: الأقرَبُ، وهو أقرَبُ العَصَباتِ، فيَستَحِقُّ الباقيَ بالتَّعصيبِ [209] يُنظر: ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (2/ 419).        .
ثالثا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِرِ [210] قال ابنُ المُنذِرِ: (وأجمَعوا على أنَّه إن تَرَكَ ثَلاثَ بَناتِ ابنٍ، بَعضُهنَّ أسفَلُ مِن بَعضٍ، فللعُليا مِنهُنَّ النِّصفُ، والتي تَليها السُّدُسُ، وما بَقيَ فللعَصَبةِ). ((الإجماع)) (ص: 70)، وقال أيضًا: (وأجمَعوا على أنَّ المَيِّتَ إذا لَم يَترُكْ مَن له سَهمٌ مُسَمًّى؛ أنَّ المالَ للعَصَبةِ). ((الإجماع)) (ص: 74)، وقال أيضًا: (وأجمَعوا أنَّ العَصَبةَ مِن قِبَلِ الأبِ، ولا تَكونُ مِن قِبَلِ الأُمِّ). ((الإجماع)) (ص: 77). ، والسَّرَخْسيُّ [211] قال السَّرَخسيُّ: (أصحابُ المَواريثِ بالِاتِّفاقِ صِنفانِ: أصحابُ الفَرائِضِ، والعَصَباتُ). ((المبسوط)) (29/ 150). ، وابنُ القَطَّانِ [212] قال ابنُ القَطَّانِ: (وأجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنْ لا ميراثَ لبَناتِ الابنِ إذا استَكمَلَتِ البَناتُ الثُّلُثَينِ، وذلك إذا لَم يَكُنْ مَعَ بَناتِ الابنِ ذَكَرٌ، فإن تَرَكَ بنتًا وابنةَ ابنٍ أو بَناتِ ابنٍ، فللابنةِ النِّصفُ، ولبَناتِ الابنِ السُّدُسُ تَكمِلةَ الثُّلُثَينِ، فإن تَرَكَ بنتًا وابنَ ابنٍ، فللابنةِ النِّصفُ، وما بَقيَ فلابنِ الابنِ، فإن تَرَكَ ثَلاثَ بَناتٍ وابنَ ابنٍ بَعضُهنَّ أسفَلُ مِن بَعضٍ، فللعُليا مِنهُنَّ النِّصفُ، والتي تَليها السُّدُسُ، وما بَقيَ فللعَصَبةِ، وهذا كُلُّه ممَّا أجمَعَ عليهـ). ((الإقناع)) (2/ 90)، وقال أيضًا: (وثَبَتَ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «ألحِقوا الفَرائِضَ بأهلِها، وما بَقيَ فلأَولى رَجُلٍ ذَكَرٍ»، وثَبَتَ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَعَلَ المالَ للعَصَبةِ.  وأجمَعَ أهلُ العِلمِ على القَولِ به. وهذا إذا لَم يَدَّعِ المَيِّتُ أحَدًا مِمَّن له فريضةٌ مَعلومةٌ، فإن تَرَكَ المَيِّتُ مَن له فريضةٌ أُعطيَ فرضَه، فإن فضَلَ مِنَ المالِ فضلٌ كانَ ذلك الفَضلُ لعَصَبَتِه مَن كانَ عَصَبَته وإن كَثُروا، إذا كانوا في القُعدَدِ واحِدًا إلى المَيِّتِ سَواءً، وإن كانَ بَعضُهم أقرَبَ مِن بَعضٍ كانَ الأقرَبُ أولى؛ لقَولِه عليه السَّلامُ: «وما بَقيَ فلأَولى رَجُلٍ ذَكَرٍ». وأجمَعَ أهلُ العِلمِ على القَولِ بجُملةِ ما ذَكَرتُه. واتَّفَقَ العُلَماءُ على أنَّ مَن ماتَ ولَه عَصَبةٌ أنَّ المالَ لهم إذا لَم يَكُنْ مَعَهم غَيرُهم مِنَ الورَثةِ، وإنِ انفَرَدَ واحِدٌ مِنهُم به مِنَ العَصَبةِ فهو له. والعَصَبةُ لا تَكونُ إلَّا مِن قِبَلِ الأبِ باتِّفاقٍ). ((الإقناع)) (2/ 102، 103). .

انظر أيضا: