الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّاني: القَتلُ


مِن مَوانِعِ الإرثِ القَتلُ؛ فالقاتِلُ لا يَرِثُ مِن قَتيلِه، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [111] ((المبسوط)) للسرخسي (29/119)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/239). ، والمالِكيَّةِ [112] ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 486)، ((منح الجليل)) لعليش (9/595).         ، والشَّافِعيَّةِ [113] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/418)، ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (3/ 150). ، والحَنابِلةِ [114] ((الفروع)) لابن مفلح (8/ 69)، ((الإنصاف)) للمرداوي (7/ 368)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/405، 494). ، وحُكِيَ في ذلك الإجماعُ [115] قال مالِكُ بنُ أنَسٍ: (الأمرُ عِندَنا الذي لا اختِلافَ فيه: أنَّ قاتِلَ العَمدِ لا يَرِثُ مِن ديةِ مَن قَتَلَ شَيئًا، ولا مِن مالِه، وأنَّ الذي يَقتُلُ خَطَأً لا يَرِثُ مِنَ الدِّيةِ شَيئًا، وقدِ اختُلِفَ في أن يَرِثَ مِن مالِهـ). ((الموطأ)) (2/ 274).    وقال الشَّافِعيُّ: (ولَم أسمَعِ اختِلافًا في أنَّ قاتِلَ الرَّجُلِ عَمدًا لا يَرِثُ مَن قَتَلَ مِن ديةٍ ولا مالٍ شَيئًا). ((الأم)) (4/ 76). وقال التِّرمِذيُّ: (والعَمَلُ على هذا عِندَ أهلِ العِلمِ: أنَّ القاتِلَ لا يَرِثُ، كانَ القَتلُ عَمدًا أو خَطَأً، وقال بَعضُهم: إذا كانَ القَتلُ خَطَأً فإنَّه يَرِثُ، وهو قَولُ مالِكٍ). ((سنن الترمذي)) (4/425). وقال ابنُ المُنذِرِ: (وأجمَعوا على أنَّ القاتِلَ عَمدًا لا يَرِثُ مِن مالِ مَن قَتَلَه ولا مِن ديَتِه شَيئًا). ((الإجماع)) (ص: 74).      وقال الماوَرديُّ: (لا اختِلافَ بَينَ الأُمَّةِ أنَّ قاتِلَ العَمدِ لا يَرِثُ عَن مَقتولِه شَيئًا مِنَ المالِ ولا مِنَ الدِّيةِ). ((الحاوي الكبير)) (8/84).  وقال ابنُ حَزمٍ: (واتَّفَقوا أنَّه لا يَرِثُ قاتِلٌ عَمدًا بالِغٌ ظالِمٌ عالِمٌ بأنَّه ظالِمٌ، مِنَ الدِّيةِ خاصَّةً، واختَلَفوا فيما عَدا ذلك، ورُوِّينا عَنِ الزُّهريِّ أنَّ القاتِلَ عَمدًا يَرِثُ مِنَ المالِ لا مِنَ الدِّيةِ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 98). وقال البَغَويُّ: (القاتِلُ لا يَرِثُ...والعَمَلُ عليه عِندَ عامَّةِ أهلِ العِلمِ؛ أنَّ مَن قَتَلَ مورِّثَه لا يَرِثُ، عَمدًا كانَ القَتلُ أو خَطَأً، مِن صَبيٍّ أو مَجنونٍ أو بالِغٍ عاقِلٍ). ((شرح السنة)) (8/ 367).            وقال ابنُ قُدامةَ: (أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ قاتِلَ العَمدِ لا يَرِثُ مِنَ المَقتولِ شَيئًا إلَّا ما حُكيَ عَن سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ وابنِ جُبَيرٍ أنَّهما ورَّثاه، وهو رَأيُ الخَوارِجِ). ((المغني)) (6/ 364).       وقال القُرطُبيُّ: (وكَذلك لَم يَدخُلِ القاتِلُ عَمدًا لأبيه أو جَدِّه أو أخيه أو عَمِّه بالسُّنَّةِ وإجماعِ الأُمَّةِ، وأنَّه لا يَرِثُ مِن مالِ مَن قَتَلَه ولا مِن ديَتِه شَيئًا). ((الجامع لأحكام القرآن)) (5/ 59). وقال القَرافيُّ: (واتَّفَقَ العُلَماءُ أنَّ قاتِلَ العَمدِ لا يَرِثُ مِنَ المالِ ولا مِنَ الدِّيةِ، وأنَّ قاتِلَ الخَطَأِ لا يَرِثُ مِنَ الدِّيةِ). ((الذخيرة)) (13/ 20). وقال ابنُ تيميَّةَ: (وأمَّا الوارِثُ كالأبِ وغَيرِه إذا قَتَلَ مورِّثَه عَمدًا فإنَّه لا يَرِثُ شَيئًا مِن مالِه ولا ديَتِه باتِّفاقِ الأئِمَّةِ، بَل تَكونُ ديَتُه كَسائِرِ مالِه يُحرَمُها القاتِلُ، أبًا كانَ أو غَيرَه، ويَرِثُها سائِرُ الورَثةِ غَيرَ القاتِلِ). ((مجموع الفتاوى)) (34/ 153)، وقال: (أمَّا الميراثُ مِنَ المالِ فإنَّه لورَثَتِه، والقاتِلُ لا يَرِثُ شَيئًا باتِّفاقِ الأئِمَّةِ). (31/ 365). لَكِن خالَفَ في ذلك سَعيدُ بنُ المُسَيِّبِ، والزُّهريُّ، وسَعيدُ بنُ جُبَيرٍ، وابنُ حَزمٍ. يُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (9/70). ونَقَل ابنُ قُدامةَ الخِلافَ في المَسألةِ بَعدَ حِكايَتِه الإجماعَ، لكِنَّه وصَف الخِلافَ بالشُّذوذِ. قال ابنُ قُدامةَ: (أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ قاتِلَ العَمدِ لا يَرِثُ مِنَ المَقتولِ شَيئًا، إلَّا ما حُكيَ عن سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ وابنِ جُبَيرٍ أنَّهما ورَّثاه، وهو رَأيُ الخَوارِجِ؛ لأنَّ آيةَ الميراثِ تَتَناولُه بعُمومِها، فيَجِبُ العَمَلُ بها فيه، ولا تَعويلَ على هذا القَولِ؛ لشُذوذِه، وقيامِ الدَّليلِ على خِلافِهـ). ((المغني)) (6/364). ؛ وذلك لأنَّه لَو ورِثَ لاستَعجَلَ الورَثةُ قَتلَ مورِّثِهم، فيُؤَدِّي إلى خَرابِ العالَمِ، فاقتَضَتِ المَصلَحةُ مَنعَ إرثِه مُطلَقًا؛ نَظَرًا لمَظِنَّةِ الاستِعجالِ، أي باعتِبارِ السَّبَبِ، والقاعِدةُ أنَّ مَنِ استَعجَلَ الشَّيءَ قَبلَ أوانِه عُوقِبَ بحِرمانِه [116] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 132)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/418).     .

انظر أيضا: