الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: العَقلُ


يُشتَرَطُ في المُقِرِّ أن يَكونَ عاقِلًا، فلا يَصِحُّ إقرارُ المَجنونِ [1684] وكذلك لا يَصِحُّ إقرارُ المُغمى عليه والمَعتوهِ. والعَتَهُ: هو آفةٌ ناشِئةٌ عَنِ الذَّاتِ توجِبُ خَلَلًا في العَقلِ، فيَصيرُ صاحِبُه مُختَلِطَ العَقلِ، فيُشبِهُ بَعضُ كَلامِه كَلامَ العُقَلاءِ، وبَعضُه كَلامَ المَجانينِ. يُنظر: (((التعريفات)) للجرجاني (ص: 190).  .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((رُفِعَ القَلَمُ عَن ثَلاثةٍ: عَنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَبلُغَ، وعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَستَيقِظَ، وعَنِ المَجنونِ حَتَّى يُفيقَ)) [1685] أخرجه الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (3987) واللفظ له، والبيهقي (21624) باختلافٍ يسيرٍ. صَحَّحه ابنُ حزم في ((المحلى)) (9/206)، والنووي في ((المجموع)) (6/253)، وحَسَّنه ابنُ القيم في ((أحكام أهل الذمة)) (2/902)، وصَحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (3987). ورُويَ عَن عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ: لَقد عَلِمْت أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القَلَمُ عَن ثَلاثةٍ: عَنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَبلُغَ، وعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَستَيقِظَ، وعَنِ المَعتوهِ حَتَّى يَبرَأ)). أخرجه أبو داود (4402) واللفظ له، وأحمد (1328) بنحوه. صَحَّحه ابنُ حزم في ((المحلى)) (9/206)، والنووي في ((المجموع)) (6/253)، والسخاوي في ((الأجوبة المرضية)) (2/767)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4402)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4402). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
الحَديثُ دَليلٌ على أنَّه لا تَكليفَ على المَجنونِ فلا يُؤاخَذُ بإقرارِه [1686] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (5/ 109)، ((المهذب)) للشيرازي (3/ 337).                   .
ثانيًا: من الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: الشَّافِعيُّ [1687] قال الشَّافِعيُّ: (مَن أقَرَّ مِنَ البالِغينَ غَيرِ المَغلوبينَ على عُقولِهم بشَيءٍ يَلزَمُه به عُقوبةٌ في بَدَنِه مِن حَدٍّ أو قَتلٍ أو قِصاصٍ أو بَدَنِه... وهذا ما لا أعلَمُ فيه مِن أحَدٍ سَمِعتُ مِنهُ مِمَّن أرضى خِلافًا). ((الأم)) (3/ 238).                     ، وابنُ حَزمٍ [1688] قال ابنُ حَزمٍ: (اتَّفَقوا أنَّ مَن أقَرَّ على نَفسِه في حَدٍّ واجِبٍ بقَتلٍ أو سَرِقةٍ في مَجلِسَينِ مُفتَرِقَينِ، وهو حُرٌّ عاقِلٌ بالِغٌ غَيرُ سَكرانَ ولا مُكرَهٍ، وكانَ ذلك الإقرارُ ضَربًا أو قَطعًا، لَزِمَه ذلك الإقرارُ، حُرًّا كانَ أو مَملوكًا، مَحجورًا كانَ أو غَيرَ مَحجورٍ عليه؛ لأنَّ كُلَّ هؤلاء مِمَّن عليه الفَرضُ في غَيرِ مَجلِسِ الحاكِمِ بحَضرةِ بَيِّنةِ عُدولٍ، وغابَ بَينَ الإقرارَينِ عَنِ المَجلِسِ حَتَّى لَم يَرَوه، ثُمَّ ثَبَتَ على إقرارِه حَتَّى يُقتَلَ أو يُقطَعَ -على ما نَذكُرُه في كِتابِ الحُدودِ إن شاءَ اللهُ- فقد أُقيمَ عليه الحَدُّ الواجِبُ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 55). ، وابنُ قُدامةَ [1689] قال ابنُ قُدامةَ: (لا يَصِحُّ الإقرارُ إلَّا مِن عاقِلٍ مُختارٍ. فأمَّا الطِّفلُ، والمَجنونُ، والمُبَرسَمُ، والنَّائِمُ، والمُغمى عليه، فلا يَصِحُّ إقرارُهم. لا نَعلَمُ في هذا خِلافًا). ((المغني)) لابن قدامة (5/ 109).                        ، وابنُ تَيميَّةَ [1690] قال ابنُ تيميَّةَ: (أمَّا المَجنونُ الذي رُفِعَ عنه القَلَمُ فلا يَصِحُّ شَيءٌ مِن عِبادَتِه باتِّفاقِ العُلَماءِ... ولا تَصِحُّ عُقودُه باتِّفاقِ العُلَماءِ، فلا يَصِحُّ بَيعُه ولا شِراؤُه ولا نِكاحُه ولا طَلاقُه ولا إقرارُه ولا شَهادَتُهـ). ((مجموع الفتاوى)) (11/ 191 ، 192). ، والعَينيُّ [1691] قال العَينيُّ: (وشَرطُه: العَقلُ والبُلوغُ بلا خِلافٍ). ((البناية في شرح الهداية)) (9/ 428).    .
ثالثًا: لأنَّ غَيرَ العاقِلِ غائِبُ العَقلِ، فلا يَثبُتُ حُكمٌ لقَولِه [1692] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (5/ 109). .
رابِعًا: لأنَّ اعتِبارَ الأقوالِ في الشَّرعِ مَنوطٌ بالأهليَّةِ، وهيَ مَعدومةٌ عِندَ المَجنونِ [1693] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/ 192)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/ 90). .

انظر أيضا: