الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الثَّانيةُ: حُكمُ يَمينِ الاستِظهارِ أوِ الاستيثاقِ


يُشرَعُ تَوجيهُ يَمينِ الاستِظهارِ أوِ الاستيثاقِ إلى المُدَّعي بَعدَ تَقديمِ بَيِّنَتِه الكامِلةِ وقَبولِها، وذلك في الدَّعاوى التي توجِبُ الاحتياطَ لحَقِّ المُدَّعى عليه [1624] وهي الدَّعاوى التي يُحتاجُ مَعَها إلى الاستيثاقِ مِن صِدقِ الدَّعوى، وبَقاءِ الحَقِّ المُدَّعى به في ذِمَّةِ المُدَّعى عليه؛ كالدَّعوى على الغائِبِ والمَيِّتِ. قال عليشٌ: (وتَتَوجَّهُ على كُلِّ مُدَّعٍ على مَيِّتٍ أو غائِبٍ، أو يَتيمٍ، أو حَبسٍ أوِ المَساكينِ، أو على وجهٍ مِن وُجوهِ البِرِّ، أو على بَيتِ المالِ، وعَلى مُستَحِقِّ الحَيَوانِ). ((منح الجليل)) (8/372). والبَعضُ عَمَّمَ الحُكمَ في كُلِّ ما يَرتابُ مِنه القاضي. يُنظر: ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (3/ 943). ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [1625] الظَّاهِرُ مِن مَذهَبِ الحَنَفيَّةِ وُجوبُ الاستِحلافِ. ((البحر الرائق)) لابن نجيم (7/ 203)، ((حاشية ابن عابدين)) (5/ 425). ، والمالِكيَّةِ [1626] المَذهَبُ عِندَ المالِكيَّةِ وُجوبُ الاستِحلافِ، وقيلَ: إنَّها غَيرُ لازِمةٍ، فلا يُنقَضُ الحُكمُ عِندَ عَدَمِها. ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/ 295)، ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 162)، ((منح الجليل)) لعليش (8/ 372). ، والشَّافِعيَّةِ [1627] المَذهَبُ عِندَ الشَّافِعيَّةِ وُجوبُ الاستِحلافِ، وقيلَ بالاستِحبابِ. ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 340)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (6/ 310). ، وروايةٌ عِندَ الحنابِلةِ [1628] يَجِبُ الاستِحلافُ على هذه الرِّوايةِ. ((الفروع)) لابن مفلح (11/ 203)، ((منتهى الإرادات)) لابن النجار (5/ 299، 300). ويُنظر: ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (3/ 943). ، وهو قَولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ [1629] قال ابنُ رَجَبٍ: (رُويَ عَن عَليٍّ أنَّه أحلَفَ المُدَّعيَ مَعَ بَيِّنَتِه أنَّ شُهودَه شَهِدوا بحَقٍّ، وفَعَلَه أيضًا شُرَيحٌ، وعَبدُ اللهِ بنُ عُتبةَ، وابنُ مَسعودٍ، وابنُ أبي لَيلى، وسَوَّارٌ العَنبَريُّ، وعُبَيدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ، ومُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ الأنصاريُّ، ورُويَ عَنِ النَّخَعيِّ أيضًا. وقال إسحاقُ: إذا استَرابَ الحاكِمُ وجَبَ ذلك). ((جامع العلوم والحكم)) (3/ 943). ، وقَولُ أكثَرِ العُلَماءِ [1630] قال بُرهانُ الدِّينِ ابنُ مُفلِحٍ: (وهَل يَحلِفُ المُدَّعي أنَّه لَم يَبرَأْ مِنه ولا مِن شَيءٍ مِنه؟ على رِوايَتَينِ... والثَّانيةُ: بَلى، قدَّمَها في المُحَرَّرِ، وجَزَمَ بها في الوجيزِ، وصَحَّحَها في الرِّعايةِ، وقالها أكثَرُ العُلَماءِ) ((المبدع)) (8/207). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
قَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إلى قَولِه: يُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ [المائدة: 106] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّتِ الآيةُ على استِحلافِ الشُّهودِ عِندَ الارتيابِ بشَهادَتِهم، ولا يَختَصُّ ذلك بالصُّورةِ الوارِدةِ في الآيةِ، بَلِ الحُكمُ يَدورُ مَعَ عِلَّتِه [1631] يُنظر: ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (3/ 944). .
ثانيًا: أنَّ الحاكِمَ مَأمورٌ بالاحتياطِ في حَقِّ مَن لا يُعَبِّرُ عَن نَفسِه، فافتَقَرَ الحالُ إلى اليَمينِ؛ لدَفعِ الاحتِمالِ [1632] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (10/ 97)، ((الممتع)) لابن المنجى (4/ 561). .
ثالثًا: أنَّه يَجوزُ أن يَكونَ استَوفى ما قامَت به البَيِّنةُ، أو مَلَّكَه العَينَ التي قامَت بها البَيِّنةُ، ولَو كانَ المُدَّعى عليه حاضِرًا فادَّعى ذلك لَوجَبَتِ اليَمينُ على المُدَّعي، فإذا تَعَذَّرَ ذلك مِنه لغَيبَتِه أو عَدَمِ تَكليفِه، يَجِبُ أن يَقومَ الحاكِمُ مَقامَه فيما يُمكنُ دَعواه [1633] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (10/ 97). .

انظر أيضا: