الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الثَّانيةُ: البَصَرُ وقتَ التَّحَمُّلِ لما يَحتاجُ إلى بَصَرٍ


اختَلَفَ العُلَماءُ في اشتِراطِ البَصَرِ وقتَ التَّحَمُّلِ لما يَحتاجُ إلى بَصَرٍ، على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: يُشتَرَطُ البَصَرُ وقتَ تَحَمُّلِ الشَّهادةِ، ولا عِبرةَ بتَمييزِ الصَّوتِ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [981] عِندَ الحَنَفيَّةِ: شَهادةُ الأعمى، سَواءٌ كانَ أعمى عِندَ التَّحَمُّلِ والأداءِ أم كانَ بَصيرًا عِندَ التَّحَمُّلِ وعَميَ عِندَ الأداءِ: غَيرُ مَقبولةٍ. ((الهداية)) للمرغيناني (3/121)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/217). ، والشَّافِعيَّةِ [982] ((روضة الطالبين)) للنووي (11/260)، ((حاشية قليوبي)) (4/328). ، وقال به بعضُ السَّلَفِ [983] قال ابنُ قُدامةَ: (ورُويَ ذلك عَنِ النَّخَعيِّ، وأبي هاشِمٍ، واختُلِفَ عَنِ الحَسَنِ، وإياسٍ، وابنِ أبي لَيلى). ((المغني)) (10/170). ؛ وذلك لأنَّ الأصواتَ تَتَشابَهُ ويَتَطَرَّقُ إليها التَّخييلُ والتَّلبيسُ، ولا ضَرورةَ إلى شَهادَتِه؛ للِاستِغناءِ عَنها بشَهادةِ البُصَراءِ [984] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (10/170)، ((روضة الطالبين)) للنووي (11/260). .
القَولُ الثَّاني: لا يُشتَرَطُ البَصَرُ وقتَ التَّحَمُّلِ، فتُقبَلُ شَهادةُ الأعمى بشَرطِ أن يَتَيَقَّنَ الصَّوتَ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [985] المَذهَبُ عِندَ المالِكيَّةِ: أنَّ شَهادةَ الأعمى في الأقوالِ مَقبولةٌ وشَهادَتُه في غَيرِها لا تُقبَلُ. ((مواهب الجليل)) للحطاب (8/166)، ((منح الجليل)) لعليش (8/396). ، والحَنابِلةِ [986] نَصَّ الحَنابِلةُ على أنَّ شَهادةَ الأعمى في المَسموعاتِ مَقبولةٌ. ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/319)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/426، 427). ، وقَولُ زُفَرَ، وروايةٌ عن أبي حَنيفةَ [987] ((الهداية)) للمرغيناني (3/121)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/217). ، وقال به بعضُ السَّلَفِ [988] قال ابنُ قُدامةَ: (رُويَ هذا عَن عَليٍّ، وابنِ عَبَّاسٍ. وبه قال ابنُ سيرينَ، وعَطاءٌ، والشَّعبيُّ، والزُّهريُّ، ومالِكٌ، وابنُ أبي لَيلى، وإسحاقُ، وابنُ المُنذِرِ). ((المغني)) (10/170). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
قَولُه تعالى: واسْتَشْهِدُوا شَهيدَينِ مِن رِجالِكُمْ [البقرة: 282] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الأعمى رَجُلٌ عَدلٌ مَقبولُ الرِّوايةِ، فقُبِلَت شَهادَتُه، كالبَصيرِ [989] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (10/170). .
ثانيًا: أنَّ السَّمعَ أحَدُ الحَواسِّ التي يَحصُلُ بها اليَقينُ، وقد يَكونُ المَشهودُ عليه مَن ألِفَه الأعمى، وكَثُرَت صُحبَتُه لَه، وعَرَفَ صَوتَه يَقينًا، فيَجِبُ أن تُقبَلَ شَهادَتُه فيما تَيَقَّنَه، كالبَصيرِ [990] ((المغني)) لابن قدامة (10/171). .

انظر أيضا: