الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الأولى: التَّنازُعُ بَينَ مَن يَدَّعي المِلكَ ومَن يَدَّعي الشِّراءَ والعَينُ بيَدِ غَيرِهما


إذا تَنازَعَ اثنانِ في عَينٍ، وهيَ بيَدِ غَيرِهما، فأقامَ أحَدُهُما بَيِّنةً أنَّها مِلكُه، وأقامَ الآخَرُ بَيِّنةً أنَّه اشتَراها مِنه- يُقضى لمَنِ ادَّعى الشِّراءَ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَنِ الأشعَثِ بنِ قَيسٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: فيَّ أُنزِلَت  -يَعني قَولَه تَعالى: إنَّ الذينَ يَشتَرونَ بعَهدِ اللهِ وأيمانِهم ثَمَنًا قَليلًا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهم في الآخِرةِ إلى آخِرِ الآيةِ- كانَت لي بئرٌ في أرضِ ابنِ عَمٍّ لي، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((بَيِّنَتُكَ أو يَمينُهـ)) [915] أخرجه البخاري (4550) واللفظ له، ومسلم (138).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ بَيِّنةَ مَن بيَدِه العَينُ غَيرُ مَسموعةٍ؛ لأنَّ اللهَ تَعالى لَم يُكَلِّفْهُم ببَيِّنةٍ، إنَّما حَكَمَ اللهُ تَعالى على لسانِ رَسولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بأنَّ البَيِّنةَ على المُدَّعي، واليَمينَ على المُدَّعى عليه [916] يُنظر: ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (8/ 537). .
ثانيًا: من الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِرِ [917] قال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعوا على أنْ لَو كانَت أَمَةٌ في يَدِ رَجُلٍ، فادَّعاها رَجُلٌ وأقامَ البَيِّنةَ أنَّها كانَت لأبيهِ وأنَّه ماتَ ولا يَعلَمونَ له وارِثًا غَيرَه، وأقامَ الآخَرُ البَيِّنةَ أنَّه اشتَراها مِن هذا بمِائةِ دينارٍ ونَقدَه الثَّمَنَ- فإنَّه يُقضى بها للمُشتَري). ((الإجماع)) (ص: 81).     ، وابنُ قُدامةَ [918] قال ابنُ قُدامةَ: (ولَو ادَّعى إنسانٌ دارًا في يَدِ رَجُلٍ أنَّها له مُنذُ سَنةٍ، وأقامَ بهذا بَيِّنةً، فجاءَ ثالِثٌ فادَّعى أنَّه اشتَراها مِن مُدَّعيها مُنذُ سَنَتَينِ وأقامَ بهذا بَيِّنةً؛ ثَبَتَ لمُدَّعي الشِّراءِ، وليس في شَهادةِ البَيِّنةِ الأولى أنَّه تَمَلَّكَها مُنذُ سَنةٍ ما يُبطِلُ أنَّها له مُنذُ سَنَتَينِ؛ لأنَّه لا تَنافيَ بَينَ مِلكِها مُنذُ سَنَتَينِ ومِلكِها مُنذُ سَنةٍ؛ فإنَّ المالِكَ مُنذُ سَنَتَينِ يَستَمِرُّ مِلكُه في السَّنةِ الثَّانيةِ، فإن قالت بَيِّنةُ الشِّراءِ: هو مالِكُها، ثَبَتَ المِلكُ بغَيرِ خِلافٍ). ((المغني)) (10/ 274).    ، والمَرداويُّ [919] قال المَرداويُّ: (إن أقامَ أحَدُهُما بَيِّنةً أنَّها مِلكُه، وأقامَ الآخَرُ بَيِّنةً أنَّه اشتَراها مِنه أو وقَفَها عليه أو أعتَقَه؛ "قُدِّمَت بَيِّنَتُه" بلا نِزاعٍ). ((الإنصاف)) (11/294).          .
ثالِثًا: لأنَّ البَيِّناتِ شُرِعَت للإثباتِ، فصارَت كالعِلَلِ الشَّرعيَّةِ، وبَيِّنةُ اليَدِ لا تَدُلُّ إلَّا على اليَدِ، فهيَ لَم تُثبِتْ شَيئًا زائِدًا، فلا يَستَحِقُّ على الخارِجِ ببَيِّنَتِه شَيئًا، بخِلافِ بَيِّنةِ الخارِجِ؛ فإنَّها أثبَتَت شَيئًا لَم يَكُنْ ثابِتًا له، فكانَت أَولى [920] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/ 295)، ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/ 262). .

انظر أيضا: