الفَرعُ الأوَّلُ: تَعارُضُ الدَّعوَيَينِ في حالِ كانَتِ العَينُ بيَدِ أحَدِهما في دَعوى المِلكِ بسَبَبِ الإرثِ
اختَلَفَ الفُقَهاءُ إذا ادَّعى اثنانِ عَينًا بسَبَبِ الإرثِ، وكانَتِ العَينُ بيَدِ أحَدِهما
[900] كَأن يَدَّعيَ شَخصانِ الميراثَ، كُلُّ واحِدٍ مِنهُما يَقولُ: هذا لي ورِثتُه مِن أبي، وهو في يَدِ أحَدِهما. ؛ على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: إذا ادَّعى اثنانِ عَينًا في دَعوى المِلكِ بسَبَبِ الإرثِ، وهيَ في يَدِ أحَدِهما، يُقضى بها لمَن لَم تَكُنْ بيَدِه العَينُ ببَيِّنَتِه، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ
[901] لَكِن لَو أرَّخا وتاريخُ أحَدِهما أسبَقُ، قَضى للأسبَقِ عِندَ أبي حَنيفةَ وأبي يوسُفَ. ((الفتاوى الهندية)) (4/ 74)، ((قرة عين الأخيار لتكملة رد المحتار)) (8/ 136). ، والمالِكيَّةِ
[902] ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 221)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (4/ 307). ، والحَنابِلةِ
[903] ((الإنصاف)) للمرداوي (11/ 382)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 391). .
الأدِلَّةُ: أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ عَنِ الأشعَثِ بنِ قَيسٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: فيَّ أُنزِلَت -يَعني قَولَه تَعالى:
إنَّ الذينَ يَشتَرونَ بعَهدِ اللهِ وأيمانِهم ثَمَنًا قَليلًا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهم في الآخِرةِ إلى آخِرِ الآيةِ- كانَت لي بئرٌ في أرضِ ابنِ عَمٍّ لي، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((بَيِّنَتُكَ أو يَمينُهـ)) [904] أخرجه البخاري (4550) واللفظ له، ومسلم (138). .
وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ بَيِّنةَ مَن بيَدِه العَينُ غَيرُ مَسموعةٍ؛ لأنَّ اللهَ تَعالى لَم يُكَلِّفْهُم ببَيِّنةٍ، إنَّما حَكَمَ اللهُ تَعالى على لسانِ رَسولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بأنَّ البَيِّنةَ على المُدَّعي، واليَمينَ على المُدَّعى عليه
[905] يُنظر: ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (8/ 537). .
ثانيًا: لأنَّ البَيِّناتِ شُرِعَت للإثباتِ، فصارَت كالعِلَلِ الشَّرعيَّةِ، وبَيِّنةُ اليَدِ لا تَدُلُّ إلَّا على اليَدِ، فهيَ لَم تُثبِتْ شَيئًا زائِدًا، فلا يَستَحِقُّ على الخارِجِ ببَيِّنَتِه شَيئًا، بخِلافِ بَيِّنةِ الخارِجِ؛ فإنَّها أثبَتَت شَيئًا لَم يَكُنْ ثابِتًا له، فكانَت أَولى
[906] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/ 295)، ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/ 262). .
ثالثًا: لأنَّ بَيِّنَتَه تَشهَدُ بأمرٍ حادِثٍ على المِلكِ خَفيٍّ، فيَثبُتُ المِلكُ له، فمَعَها زيادةُ عِلمٍ
[907] يُنظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/ 561)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 391). .
القَولُ الثَّاني: إذا ادَّعى اثنانِ عَينًا في دَعوى المِلكِ بسَبَبِ الإرثِ، وهيَ في يَدِ أحَدِهما، يُقضى بها لمَن بيَدِه العَينُ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ
[908] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (10/ 327)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (8/ 362). ، وقولٌ للحَنابِلةِ
[909] ((الإنصاف)) للمرداوي (11/ 382)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 391). .
وذلك للآتي: أوَّلًا: لأنَّ المِلكَ أخَصُّ مِنَ الحَوزِ وأقوى مِنه
[910] يُنظر: ((منح الجليل)) لعليش (8/ 539). .
ثانيًا: لعَدَمِ مُعارَضةِ بَيِّنةِ الحَوزِ بَيِّنةَ المِلكِ؛ إذ لا يَلزَمُ مِنَ الحَوزِ المِلكُ
[911] يُنظر: ((منح الجليل)) لعليش (8/ 539). .
ثالِثًا: لأنَّهما استَويا في إقامةِ البَيِّنةِ، وتَرَجَّحَت بَيِّنَتُه بيَدِه
[912] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 480). .
رابِعًا: قياسًا على الخَبَرَينِ اللَّذَينِ مَعَ أحَدِهما قياسٌ فيُقضى له بها
[913] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 480). .
خامِسًا: لأنَّ اليَدَ تُفيدُ المِلكَ، فأَولى أن تُفيدَ الاختِصاصَ
[914] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/ 231). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش