الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الثَّالِثةُ: القَضاءُ مَعَ وُجودِ ما يُشَوِّشُ الفِكرَ


يُلحَقُ بحُكمِ القَضاءِ حالَ الغَضَبِ القَضاءُ مَعَ وُجودِ ما يُشَوِّشُ فِكرَ القاضي ويُؤَثِّرُ على فهمِه [706] وذلك كَشِدَّةِ العَطَشِ والجوعِ، والهَمِّ، والوجَعِ، والنُّعاسِ، والبَردِ المُؤلِمِ، والحَرِّ المُزعِجِ، وشَهوةِ النِّكاحِ، والكَسَلِ، والحُزنِ، والخَوفِ، والفَرَحِ الغالِبِ، ونَحوِ ذلك. يُنظر: ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/168). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ العَرَبيِّ [707] قال ابنُ العَرَبيِّ: (اتَّفَقَ العُلَماءُ أنَّ القاضيَ لا يَقضي إذا نالَه غَضَبٌ أو ضَجَرٌ أو جوعٌ أو جَزَعٌ، ويَجمَعُ ذلك ما يَشغَلُ خاطِرَه، ويُفسِدُ -بقَطعِ النَّظَرِ- عِلمَه ورَأيَهـ). ((عارضة الأحوذي)) (1/188). ، وابنُ عَرَفةَ [708] قال ابنُ عَرَفةَ: (اتَّفَقَ العُلَماءُ على إناطةِ الحُكمِ بأعَمَّ مِنَ الغَضَبِ، وهو الأمرُ الشَّاغِلُ، وإلغاءِ خُصوصِ الغَضَبِ، وسَمَّوا هذا الإلغاءَ والاعتِبارَ بتَحقيقِ المَناطِ -الذي ذَكَرَه مَن نَقَلَ عِبارَتَه مِنَ الشُّرَّاحِ "تَنقيح المَناطِ"، ولَعَلَّ المَقصودَ هو تَخريجُ المَناطِ-) ((المختصر الفقهي)) (9/122). ، والشِّنقيطيُّ [709] قال الشِّنقيطيُّ: (أجمَعَ العُلَماءُ على أنَّ كُلَّ مُشَوِّشٍ للفِكرِ -كَتَشويشِ الغَضَبِ أو أشَدَّ- غَيرُ مَسكوتٍ عنه، فلا يَجوزُ للقاضي أن يَحكُمَ بَينَ الخَصمَينِ في حالةِ العَطَشِ والجوعِ المُفرِطَينِ، ولا في حالةِ الحُزنِ والسُّرورِ المُفرِطَينِ، ولا في حالةِ الحَقنِ والحَقَبِ المُفرِطَينِ، والحَقنُ: مُدافَعةُ البَولِ، والحَقَبُ: مُدافَعةُ الغائِطِ، فكُلُّ هذه الأُمورِ التي تُشَوِّشُ فِكرَه لا نَقولُ: هيَ مَسكوتٌ عَنها، بَل هيَ مَنطوقةٌ؛ ولأجلِ هذا كانَ العُلَماءُ أجمَعوا على إلحاقِ المَسكوتِ عنه بالمَنطوقِ به إذا تَحَقَّقنا وغَلَبَ على ظَنِّنا أنَّه لا فرقَ بَينَهما). ((العذب النمير)) (2/373). .
ثانيًا: قياسُ شِدَّةِ الجوعِ والعَطَشِ ونَحوِ ذلك على الغَضَبِ في النَّهيِ عَنِ القَضاءِ في تلك الحالِ، بجامِعِ إذهابِ الفِكرِ وحُسنِ الرَّأيِ [710] يُنظر: ((الممتع في شرح المقنع)) لابن المنجى (4/529). .

انظر أيضا: