الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الثَّانيةُ: أثَرُ القَضاءِ حالَ الغَضَبِ


اختَلَفَ الفُقَهاءُ الذينَ قالوا بحُرمةِ القَضاءِ حالَ الغَضَبِ في أثَرِه، على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: يَنفُذُ حُكمُ القاضي حالَ الغَضَبِ إن وافَقَ الصَّوابَ، ولا يَنفُذُ إن خالَفَ الصَّوابَ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [694] ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (7/244)، ((الشرح الكبير)) للدردير (4/141). ، والحَنابِلةِ في الأصَحِّ [695] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/168)، ((منتهى الإرادات)) لابن النجار (5/272). ، واختيارُ ابنِ عُثَيمين [696] قال ابنُ عُثَيمينَ: (ولَكِنَّ القَولَ الأوَّلَ أقرَبُ إلى القَواعِدِ وإلى مُلاحَظةِ المَعنى: أنَّه إذا أصابَ الحَقَّ نَفَذَ الحُكمُ، وأنَّه أيسَرُ للعامَّةِ؛ لأنَّنا لَو قُلنا بعَدَمِ الحُكمِ الأوَّلِ ووُجوبِ إعادةِ القَضيَّةِ، رُبَّما تَحتاجُ إلى طولٍ، ولا سيَّما في المُدُنِ الكَبيرةِ التي تَكثُرُ فيها المُحاكَماتُ، فقد يَمضي عليه سَنةٌ وسَنَتانِ وهو لم يَصِلْ إليه الدَّورُ، وحينَئِذٍ تَحصُلُ مَفاسِدُ). ((فتح ذي الجلال والإكرام)) (6/158). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَن عُروةَ بنِ الزُّبَيرِ: ((أنَّ رَجُلًا مِنَ الأنصارِ خاصَمَ الزُّبَيرَ في شِراجٍ مِنَ الحَرَّةِ، يَسقي بها النَّخلَ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اسقِ يا زُبَيرُ، فأمَرَه بالمَعروفِ، ثُمَّ أرسِلْ إلى جارِكَ، فقال الأنصاريُّ: أن كانَ ابنَ عَمَّتِكَ؟ فتَلَوَّنَ وجهُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ قال: اسقِ ثُمَّ احبِسْ، حَتَّى يَرجِعَ الماءُ إلى الجَدْرِ، واستَوعى له حَقَّه، فقال الزُّبَيرُ: واللهِ إنَّ هذه الآيةَ أُنزِلَت في ذلك: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهمْ)) [697] أخرجه البخاري (2362). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ هذا الحَديثُ على نَفاذِ حُكمِ القاضي وهو غَضبانُ إن وافَقَ الصَّوابَ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَكَمَ على الأنصاريِّ وهو غاضِبٌ، وحُكمُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لا يَكونُ إلَّا صَوابًا [698] يُنظر: ((الممتع في شرح المقنع)) لابن المنجى (4/529). .
ثانيًا: أنَّ النَّهيَ عَنِ القَضاءِ في حالِ الغَضَبِ لئَلَّا يُخطِئَ القاضي في الحُكمِ، فإذا أصابَ فقد زالَت عِلَّةُ النَّهيِ، فيَنفُذُ قَضاؤُه [699] يُنظر: ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (6/158). .
القَولُ الثَّاني: لا يَنفُذُ حُكمُ القاضي حالَ الغَضَبِ، وهو قَولُ بَعضِ المالِكيَّةِ [700] ((التاج والإكليل)) للمواق (8/116). ، ووَجهٌ عِندَ الحَنابِلةِ [701] ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (7/249). ، واختيارُ الصَّنعانيِّ [702] قال الصَّنعانيُّ: (ثُمَّ الظَّاهِرُ عَدَمُ نُفوذِ الحُكمِ مَعَ الغَضَبِ؛ إذِ النَّهيُ يَقتَضي الفَسادَ). ((سبل السلام)) (8/56). ، والألبانيِّ [703] قال الألبانيُّ: (تَرى لَو قَضى بَينَ اثنَينِ في قَضيَّةٍ ما، أعطى لزَيدٍ ما لبَكرٍ، ولَو فِلسًا واحِدًا، هَل يَنفُذُ قَضاؤُه في حالةِ الغَضَبِ؟ الجَوابُ: لا؛ لأنَّ الرَّسولَ قال: «لا يَقضي» لا يَجوزُ أن يَقضيَ، فقَضى، فحُكمُ قَضائِه غَيرُ نافِذٍ). ((جامع تراث العلامة الألباني في الفقهـ)) (12/414). .
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
عَن أبي بَكرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه سَمِعَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((لا يَقضيَنَّ حَكَمٌ بَينَ اثنَينِ وهو غَضبانُ)) [704] أخرجه البخاري (7158) واللفظ له، ومسلم (1717). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في هذا الحَديثِ نَهيٌ عَنِ القَضاءِ حالَ الغَضَبِ، والنَّهيُ يَقتَضي فسادَ المَنهيِّ عنه، فلا يَنفُذُ الحُكمُ حالَ الغَضَبِ [705] يُنظر: ((الممتع في شرح المقنع)) لابن المنجى (4/529). .

انظر أيضا: