الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الأولى: مَشروعيَّةُ شُهودِ الجَنائِزِ وعيادةِ المَرضى للقاضي


يُشرَعُ للقاضي شُهودُ الجَنائِزِ وعيادةُ المَرضى، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [558] ((المبسوط)) للسرخسي (16/81)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (6/306). ، والمالِكيَّةِ [559] ((التاج والإكليل)) للمواق (8/112)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (6/120). ، والشَّافِعيَّةِ [560] ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/500)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (6/288). ، والحَنابِلةِ [561] ((منتهى الإرادات)) لابن النجار (5/273)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (15/85). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((حَقُّ المُسلِمِ على المُسلِمِ سِتٌّ، قيلَ: ما هُنَّ يا رَسولَ اللهِ؟ قال: إذا لَقيتَه فسَلِّمْ عليه، وإذا دَعاكَ فأجِبْه، وإذا استَنصَحَكَ فانصَحْ له، وإذا عَطَسَ فحَمِدَ اللهَ فسَمِّتْه، وإذا مَرِضَ فعُدْه، وإذا ماتَ فاتَّبِعْهـ)) [562] أخرجه البخاري (1240)، ومسلم (2162) واللفظ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ هذا الحَديثُ على أنَّ مِن حَقِّ المُسلِمِ على المُسلِمِ عيادَتَه إذا مَرِضَ، واتِّباعَ جِنازَتِه إذا ماتَ، وحَقُّ المُسلِمِ لا يَسقُطُ بالقَضاءِ [563] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (6/306). .
2- عَن ثَوبانَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((عائِدُ المَريضِ في مَخرَفةِ الجَنَّةِ حَتَّى يَرجِعَ)) [564] أخرجه مسلم (2568). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ هذا الحَديثُ على أنَّ عيادةَ المَريضِ -ومِثلُها اتِّباعُ الجِنازةِ- قُرَبٌ يُندَبُ إليها جَميعُ النَّاسِ، فكانَ الوُلاةُ فيها كغَيرِهم؛ لأنَّ المَقصودَ بها طاعةُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وطاعةُ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وطَلَبُ الثَّوابِ مِنَ اللهِ تعالى [565] يُنظر: ((الحاوي)) للماوردي (16/44). .
3- عَن سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((عادَني النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عامَ حَجَّةِ الوداعِ مِن مَرَضٍ أشفَيتُ منه على المَوتِ...)) [566] أخرجه البخاري (3936) واللفظ له، ومسلم (1628). .
4- عَن جابِرٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((عادَني النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبو بَكرٍ في بَني سَلِمةَ ماشيَينِ...)) [567] أخرجه البخاري (4577) واللفظ له، ومسلم (1616). .
5- عَن أنَسٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((كانَ غُلامٌ يَهوديٌّ يَخدُمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فمَرِضَ، فأتاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعودُه، فقَعَدَ عِندَ رَأسِه، فقال لَه: أسلِمْ. فنَظَرَ إلى أبيه وهو عِندَه، فقال لَه: أطِعْ أبا القاسِمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأسلَمَ، فخَرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يَقولُ: الحَمدُ للَّهِ الذي أنقَذَه مِنَ النَّارِ)) [568] أخرجه البخاري (1356). .
وَجهُ الدَّلالةِ من الأحاديثِ:
دَلَّت هذه الأحاديثُ على أنَّ عيادةَ المَريضِ -ومِثلُها اتِّباعُ الجِنازةِ- مِنَ القُرَبِ التي كانَ يَفعَلُها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابُه، فيُشرَعُ للقُضاةِ وعامَّةِ النَّاسِ الاقتِداءُ بهم [569] يُنظر: ((الحاوي)) للماوردي (16/44)، ((المبسوط)) للسرخسي (16/81). .
ثانيًا: أنَّ عيادةَ المَريضِ وشُهودَ الجِنازةِ مِنَ القُرَبِ والطَّاعاتِ، وقد وعَدَ الشَّرعُ على ذلك أجرًا عَظيمًا، فيَدخُلُ القاضي في ذلك؛ لأنَّه لا تَلحَقُه تُهمةٌ في فِعلِه الطَّاعاتِ [570] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/10)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (15/85). .

انظر أيضا: