الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الثَّانيةُ: إجابةُ القاضي للدَّعوةِ مِن غَيرِ الخُصومِ


اختَلَفَ الفُقَهاءُ في حُكمِ إجابةِ القاضي للدَّعوةِ مِن غَيرِ الخُصومِ على أربَعةِ أقوالٍ:
القَولُ الأوَّلُ: يُباحُ للقاضي إجابةُ الدَّعوةِ العامَّةِ، ويَحرُمُ عليه إجابةُ الدَّعوةِ الخاصَّةِ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [544] يرى الحَنَفيَّةُ جَوازَ إجابةِ الدَّعوةِ الخاصَّةِ إذا كانَت مِمَّنِ اعتادَ دَعوةَ القاضي قَبلَ أن يَتَقَلَّدَ القَضاءَ، (ولا بَأسَ بأن يُجيبَ الدَّعوةَ الجامِعةَ، فذلك مِنَ السُّنَّةِ؛ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن لم يُجِبِ الدَّعوةَ فقد عَصى أبا القاسِمِ»، قال: ولا تجِبُ الدَّعوةُ الخاصَّةُ الخَمسةُ والعَشَرةُ في مَكانٍ؛ لأنَّ ذلك يَجُرُّ إليه تُهمةَ المَيلِ، بأن يَقولَ أحَدُ الخَصمَينِ: إنَّ فُلانًا في دَعوةِ فُلانٍ كَلَّمَ القاضيَ، وهو نائِبٌ عَن خَصمي، وصانَعَه على رِشوةٍ، ولأنَّ إجابةَ الدَّعوةِ الخاصَّةِ مِمَّا يَطمَعُ النَّاسُ به في القاضي، فعليه أن يَحتَرِزَ عَن ذلك، وأصَحُّ ما قيلَ في الفَرقِ بَينَ الدَّعوةِ الجامِعةِ والخاصَّةِ: أنَّ كُلَّ ما يَمتَنِعُ صاحِبُ الدَّعوةِ مِن إيجادِه إذا عَلِمَ أنَّ القاضيَ لا يُجيبُه، فهو الدَّعوةُ الخاصَّةُ، وإن كانَ لا يَمتَنِعُ مِن إيجادِه لذلك فهو الدَّعوةُ العامَّةُ؛ لأنَّه عِندَ ذلك يَعلَمُ أنَّ القاضيَ لم يَكُنْ مَقصودًا بتلك الدَّعوةِ، وإنَّما يَمتَنِعُ مِن إجابةِ الدَّعوةِ الخاصَّةِ إذا لم يَكُنْ صاحِبُ الدَّعوةِ مِمَّنِ اعتادَ إيجادَ الدَّعوةِ له قَبلَ أن يَتَقَلَّدَ القَضاءَ، فإن كانَ ذلك مِن عادَتِه قَبلَ هذا فلا بَأسَ بأن يُجيبَ دَعوتَه، وإليه أشارَ في قَولِه: ولا بَأسَ بأن يُجيبَ دَعوةَ ذي القَرابةِ؛ لأنَّ هذا بَينَ القَراباتِ ليس مِن جَوالِبِ القَضاءِ عادةً، ولا صِدقَ في ذلك كالأقارِبِ إذا كانَ ذلك مَعروفًا بَينَهم قَبلَ تَقَلُّدِ القَضاءِ). ((المبسوط)) للسرخسي (16/81-82)، (قَولُه: (ودَعوةٌ خاصَّةٌ) أي: يَرُدُّها فلا يَحضُرُها؛ لأنَّها جُعِلَت لأجلِه، أطلَقَه فشَمِلَ ما إذا كانَ الدَّاعي لَها القَريب، وذَكَرَ الطَّحاويُّ أنَّ هذا قَولُهما، وقال مُحَمَّدٌ: يُجيبُها، وذَكَرَ الخَصَّافُ أنَّه يُجيبُها بلا خِلافٍ، واختارَه المُؤَلِّفُ في الكافي، وإنَّما تَرَكَ التَّقييدَ به في المُختَصَرِ اعتِمادًا على ما استَثناه في الهَديَّةِ، فالأحسَنُ أن يُقالَ: ولا يَقبَلُ هَديَّةً ودَعوى خاصَّةً إلَّا مِن مَحرَمٍ أو مِمَّن له عادةٌ، فإنَّ للقاضي أن يُجيبَ الدَّعوةَ الخاصَّةَ مِن أجنَبيٍّ له عادةٌ باتِّخاذِها كالهَديَّةِ، فلَو كانَ مِن عادَتِه الدَّعوةُ له كُلَّ شَهرٍ مَرَّةً فدَعاه كُلَّ أُسبوعٍ بَعدَ القَضاءِ لا يُجيبُه، ولَوِ اتَّخَذَ له طَعامًا أكثَرَ مِنَ الأوَّلِ لا يُجيبُه إلَّا أن يَكونَ مالُه قد زادَ. كَذا في التَّتارخانيَّةِ، قُيِّدَ بالخاصَّةِ احتِرازًا عَنِ العامَّةِ؛ فإنَّ له أن يَحضُرَها بشَرطِ أن لا يَكونَ لصاحِبِها خُصومةٌ). ((البحر الرائق)) لابن نجيم (6/305، 306). ، وقَولٌ عِندَ المالِكيَّةِ [545] خَصَّ المالِكيَّةُ في هذا القَولِ الإباحةَ في الدَّعوةِ العامَّةِ بوليمةِ النِّكاحِ أو ما يُصنَعُ في الأفراحِ، (قال أشهَبُ في المَجموعةِ: لا بَأسَ أن يُجيبَ الدَّعوةَ العامَّةَ إن كانَت وليمةً أو صَنيعًا عامًّا، لفَرَحٍ كانَ، فأمَّا أن يُدعى مَعَ عامَّةٍ لغَيرِ فرَحٍ كانَ، فلا يُجيبُ، وكَأنَّه دُعيَ خاصَّةً؛ لأنَّ الدَّاعيَ له لَعَلَّه جَعَلَ دَعوتَه في غَيرِ حَقٍّ وجَبَ عليه ولا شُرورٍ دافَعَ به لما أحَبَّ مِن دُعائِه القاضي. قال سحنون في كِتابِ ابنِه: يُجيبُ الدَّعوةَ العامَّةَ، ولا يُجيبُ الخاصَّةَ، وإن تَنَزَّهَ عَن مِثلِ هذا فهو أحسَنُ). ((النوادر والزيادات)) لابن أبي زيد (8/27). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ إجابةَ الدَّعوةِ عُمومًا مِنَ السُّنَّةِ [546] وذلك لقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ومَن لم يُجِبِ الدَّعوةَ فقد عَصى اللهَ ورَسولَهـ)). أخرجه مسلم (1432) مِن حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه. ، لَكِن يُمنَعُ القاضي مِن إجابةِ الدَّعوةِ الخاصَّةِ؛ لأنَّ ذلك يَجُرُّ إليه تُهمةَ المَيلِ مَعَ أحَدِ الخُصومِ [547] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (16/81). .
ثانيًا: أنَّ إجابةَ الدَّعوةِ الخاصَّةِ مِمَّا يُطمِعُ النَّاسَ في القاضي، فعليه أن يَحتَرِزَ عَن ذلك [548] ((المبسوط)) للسرخسي (16/81). .
القَولُ الثَّاني: يُكرَهُ للقاضي إجابةُ الدَّعوةِ إلَّا الدَّعوةَ إلى وليمةِ النِّكاحِ فلا يُكرَهُ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [549] اختَلَفَ المالِكيَّةُ في حُكمِ إجابةِ القاضي لدَعوةِ وليمةِ النِّكاحِ؛ فمِنَ الشُّرَّاحِ مَن ذَكَرَ وُجوبَ ذلك، ومِنهُم مَن أشارَ إلى ما يُفيدُ تَرجيحَ الإباحةِ، ((قَولُه: وحُضورِ وليمةٍ) أي: يُكرَهُ ذلك فقَط، وهو المُرادُ بقَولِ بَعضِهم: لا يَجوزُ. وفي ح عَنِ التَّوضيحِ: كَرِهَ مالِكٌ لأهلِ الفَضلِ الإجابةَ لكُلِّ مَن دَعاهم. (قَولُه: فإنَّه يَجِبُ بشُروطِهـ) في ابنِ مَرزوقٍ ما يُفيدُ أنَّ الرَّاجِحَ جَوازُ حُضورِه لوليمةِ النِّكاحِ لا وُجوبُه، ورَجَّحَه شَيخُنا في حاشيةِ خش). ((حاشية الدسوقي)) (4/140)، ((و) ك (حُضورِ) القاضي لـ (وليمةٍ) أي طَعامٍ يجتَمِعُ له النَّاسُ، فيُنهى عنه (إلَّا النِّكاحَ) فلا يُنهى عَن حُضورِ وليمَتِه المُستَوفيةِ شُروطَها الشَّرعيَّةَ. ابنُ عَرَفةَ الشَّيخ عَنِ الأخَوينِ: لا يَنبَغي له أن يُجيبَ الدَّعوةَ العامَّةَ، كانَت وليمةً أو صَنيعًا عامًّا لفَرَحٍ، فأمَّا لغَيرِ فرَحٍ فلا، وكَأنَّه دُعيَ خاصَّةً، أو وسيلةٌ له، يُجيبُ للعامَّةِ لا الخاصَّةِ، والتَّنَزُّهُ أحسَنُ. وفي الموازيَّة: كرِهَ له أن يُجيبَ أحَدًا، أو هو في الخاصَّةِ أشَدُّ مِن دَعوةِ العُرسِ، وكَرِهَ مالِكٌ لأهلِ الفَضلِ أن يُجيبوا كُلَّ مَن دَعاهم. الخَرَشيُّ: يَجِبُ عليه حُضورُ وليمةِ النِّكاحِ كَغَيرِه، بشُروطِها المُتَقدِّمةِ فيها. العَدَويُّ: الذي عِندَ ابنِ مَرزوقٍ أنَّه يَجوزُ له حُضورُ وليمةِ النِّكاحِ ولا يَجِبُ عليه؛ لأنَّه يُطلَبُ مِنهُ زيادةُ التَّنَزُّهِ عَمَّا بأيدي النَّاسِ؛ لتَقوى كَلِمَتُه، وهو الرَّاجِحُ كما يُفهَمُ مِن عج). ((منح الجليل)) لعليش (8/298). ؛ وذلك لأنَّ إجابةَ الدَّعوةِ مَظِنَّةُ أكلِ الطَّعامِ، والقاضي يُطلَبُ منه زيادةُ التَّنَزُّهِ عَمَّا في أيدي النَّاسِ لتَقوى كَلِمَتُه، واستُثنيَ النِّكاحُ؛ لأنَّه قد ثَبَتَ الأمرُ بإجابةِ الدَّعوةِ له [550] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (10/81)، ((منح الجليل)) لعليش (8/298). .
القَولُ الثَّالِثُ: يُستَحَبُّ للقاضي إجابةُ الدَّعوةِ العامَّةِ مِن غَيرِ الخُصومِ ويُكرَهُ له إجابةُ الدَّعوةِ الخاصَّةِ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ في الصَّحيحِ [551] وللشَّافِعيَّةِ وجهٌ في تَخصيصِ الاستِحبابِ بوليمةِ النِّكاحِ، ولَهم في الدَّعوةِ العامَّةِ مِن غَيرِ الخُصومِ وجهٌ بالوُجوبِ ووجهٌ بالتَّحريمِ، (القَولُ في أنَّ الإجابةَ إلى الوليمةِ تَجِبُ أو تُستَحَبُّ مُستَوفًى في "بابِ الوليمةِ والنَّثرِ"، وذلك في حَقِّ غَيرِ القاضي، فأمَّا القاضي فلا يَحضُرُ وليمةَ أحَدِ الخَصمَينِ في حالِ تَخاصُمِهما، ولا وليمَتَهما؛ لأنَّ أحَدَهما قد يَزيدُ في إكرامِه، فيَميلُ قَلبُه إليه، فأمَّا وليمةُ غَيرِهما، فعَن بَعضِ الأصحابِ، فيما رَواه صاحِبُ "الإفصاحِ" وغَيرُه: أنَّه يَجيءُ قَولُ وُجوبِ الإجابةِ في حَقِّ القاضي أيضًا، وفي "أمالي" أبي الفَرَجِ: أنَّ بَعضَهم قال: لا يَجوزُ الإجابةُ أصلًا؛ لأنَّه أجيرُ المُسلِمينَ، ولا يَدري مَتى يَتَحاكَمُ إليه الخَصمانِ، وظاهِرُ المَذهَبِ: التَّوسُّطُ، وهو أنَّها لا تَجِبُ، ولا تَحرُمُ، ولَكِنَّها مُستَحَبَّةٌ بشَرطِ التَّعميمِ، فإن كَثُرَت وقَطَعَتهُ عَنِ الحُكمِ تَرَكَ إجابةَ الكُلِّ، ولَم يُخَصِّصْ بَعضَ النَّاسِ، نَعَم، لَو كانَ يُخَصِّصُ أُناسًا قَبلَ الوِلايةِ بإجابةِ وليمَتِه، فعَن نَصِّ الشَّافِعيِّ -رَضيَ اللهُ عنهُ- فيما حَكاه القاضي ابنُ كجٍّ: أنَّه لا بَأسَ بالاستِمرارِ عليه، ويُكرَهُ الإجابةُ إلى دَعوى اتُّخِذَت للقاضي خاصَّةً وللأغنياءِ، ودُعيَ فيهم، ولا تُكرَهُ الإجابةُ إلى ما اتُّخِذَ للجيرانِ وهو مِنهُم، أو للعُلَماءِ ودُعيَ فيهم، واعلَمْ أنَّ إجابةَ الوليمةِ مِنَ الدَّعَواتِ مُستَحَبَّةٌ، وظاهِرُ ما أطلَقَه الأئِمَّةُ ثُبوتُ الاستِحبابِ في حَقِّ القاضي أيضًا، وإن كانَ الاستِحبابُ في الوليمةِ آكَدَ، ومِنهُم مَن خَصَّصَ الاستِحبابَ بالوليمةِ، ويُحكى هذا عَنِ ابنِ القاصِّ). ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/499)، (قد سَبَقَ في بابِ الوليمةِ الخِلافُ في أنَّ الإجابةَ إليها واجِبةٌ أم مُستَحَبَّةٌ؟ وذلك في غَيرِ القاضي. أمَّا القاضي فلا يَحضُرُ وليمةَ أحَدِ الخَصمَينِ في حالِ خُصومَتِهما، ولا وليمَتَهما؛ لأنَّه قد يَزيدُ أحَدُهما في إكرامِه، فيَميلُ [إليه] قَلبُه، وأمَّا وليمةُ غَيرِ الخَصمَينِ فثَلاثةُ أوجُهٍ؛ أحَدُها: تَحرُمُ عليه الإجابةُ إليها، والثَّاني: تَجِبُ إذا أوجَبناها على غَيرِه، والثَّالِثُ وهو الصَّحيحُ: لا تَحرُمُ ولا تَجِبُ، بَل تُستَحَبُّ بشَرطِ التَّعميمِ، فإن كَثُرَت وقَطَعَتهُ عَنِ الحُكمِ تَرَكَها في حَقِّ الجَميعِ، ولا يَخُصُّ بَعضَ النَّاسِ، لَكِن لَو كانَ يَخُصُّ بَعضَ النَّاسِ قَبلَ الوِلايةِ بإجابةِ وليمةٍ، فنَقَلَ ابنُ كجٍّ عَن نَصِّ الشَّافِعيِّ - رَحِمَه اللهُ- أنَّه لا بَأسَ بالاستِمرارِ، وتُكرَهُ إجابَتُه إلى دَعوةٍ اتُّخِذَت لأجلِ القاضي خاصَّةً، أو للأغنياءِ ودُعيَ فيهم، ولا يُكرَهُ إلى ما اتُّخِذَ للجيرانِ وهو مِنهُم، أو للعُلَماءِ ودُعيَ فيهم. واعلَمْ أنَّ إجابةَ غَيرِ وليمةِ العُرسِ مِنَ الدَّعَواتِ مُستَحَبَّةٌ، وظاهِرُ ما أطلَقَه الأصحابُ ثُبوتُ الاستِحبابِ في حَقِّ القاضي أيضًا، وإن كانَ الاستِحبابُ في الوليمةِ آكَدَ، ومِنهُم مَن خَصَّ الاستِحبابَ بالوليمةِ، وبه قال ابنُ القاصِّ). ((روضة الطالبين)) للنووي (11/165-166). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن أبي موسى الأشعَريِّ رَضيَ اللهُ عنه عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((فُكُّوا العانيَ، وأجيبوا الدَّاعيَ، وعودوا المَريضَ)) [552] أخرجه البخاري (5174). .
2- عَن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((شَرُّ الطَّعامِ طَعامُ الوليمةِ، يُمنَعُها مَن يَأتيها، ويُدعى إليها مَن يَأباها، ومَن لم يُجِبِ الدَّعوةَ فقد عَصى اللهَ ورَسولَهـ)) [553] أخرجه البخاري (5177)، ومسلم (1432) واللفظ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ من الحديثينِ:
دَلَّ الحَديثانِ بعُمومِهما على النَّدبِ والحَثِّ على إجابةِ الدَّعوةِ، فيَشمَلُ ذلك القاضيَ وغَيرَه؛ لعَدَمِ المُخَصِّصِ [554] يُنظر: ((الحاوي)) للماوردي (16/43). .
ثانيًا: أنَّ القاضيَ يُمنَعُ مِن حُضورِ وليمةِ أحَدِ الخَصمَينِ حالَ تَخاصُمِهما؛ لأنَّ أحَدَهما قد يَزيدُ في إكرامِه، فيَميلُ قَلبُه إليه [555] يُنظر: ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/499). .
القَولُ الرَّابِعُ: يُباحُ للقاضي إجابةُ الدَّعوةِ إلَّا الدَّعوةَ إلى وليمةِ النِّكاحِ فتَجِبُ، وهو مَذهَبُ الحَنابِلةِ [556] المَذهَبُ عِندَ الحَنابِلةِ: أنَّ حُكمَ القاضي في إجابةِ الدَّعوةِ كَغَيرِه؛ فيَجِبُ عليه إجابةُ الدَّعوةِ لوليمةِ النِّكاحِ، وتُباحُ سائِرُ الدَّعَواتِ، وفي وجهٍ: لا يَجِبُ على القاضي الإجابةُ لدَعوةِ وليمةِ النِّكاحِ، وفي وجهٍ: يُكرَهُ له إجابةُ سائِرِ الدَّعَواتِ غَيرَ وليمةِ النِّكاحِ، (قَولُه: (ولَه حُضورُ الولائِمِ)، يَعني: مِن غَيرِ كَراهةٍ. وهو المَذهَبُ. قال في المُحَرَّرِ والفُروعِ وغَيرِهما: وهو في الدَّعَواتِ كَغَيرِه. وقال أبو الخَطَّابِ: تُكرَهُ له المُسارَعةُ إلى غَيرِ وليمةِ عُرسٍ. ويَجوزُ له ذلك. وقال في التَّرغيبِ: يُكرَهُ. قال في الرِّعايةِ: كما لَو قَصَدَ رياءً، أو كانَت لخَصمٍ. وقدَّمَ في التَّرغيبِ: لا يَلزَمُه حُضورُ وليمةِ العُرسِ. قَولُه: (فإن كَثُرَت: تَرَكَها كُلَّها، ولَم يُجِبْ بَعضَهم دونَ بَعضٍ) قال القاضي وغَيرُه: لا يُجيبُ بَعضَهم دونَ بَعضٍ بلا عُذرٍ، وهو صَحيحٌ. وذَكَرَ المُصَنِّفُ، وصاحِبُ التَّرغيبِ، وجَماعةٌ: إن كَثُرَتِ الولائِمُ صانَ نَفسَه، وتَرَكَها). ((الإنصاف)) للمرداوي (11/215)، ((وله حُضورُ الولائِمِ) كَغَيرِه؛ لأنَّه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أمَرَ بحُضورِها (فإن كَثُرَتِ الولائِمُ تَرَكَها) كُلَّها، (واعتَذَرَ إليهم) وسَألَهمُ التَّحليلَ؛ لئَلَّا يَشتَغِلَ بذلك عَنِ الحُكمِ الذي هو فرضُ عَينٍ (ولا يُجيبُ بَعضًا دونَ بَعضٍ)؛ لأنَّ ذلك كَسرٌ لقَلبِ مَن لا يُجيبُه (إلَّا أن يَختَصَّ بَعضُها بعُذرٍ يَمنَعُه، مِثلُ أن يَكونَ في إحداهما مُنكَرٌ، أو في مَكانٍ بَعيدٍ، أو يَشتَغِلَ بها زَمَنًا طَويلًا، والأُخرى بخِلافِها؛ فلَه الإجابةُ إليها لظُهورِ عُذرِهـ)، وذَكَرَ أبو الخَطَّابِ أنَّه يُكرَهُ مُسارَعَتُه إلى غَيرِ وليمةِ عُرسٍ، وذَكَرَ القاضي أنَّه يُستَحَبُّ له حُضورُ غَيرِ وليمةِ عُرسٍ، والمُرادُ: غَيرُ مَأتَمٍ فيُكرَهُ). ((كشاف القناع)) للبهوتي (15/86). ؛ وذلك إلحاقًا للقاضي بغَيرِه في حُكمِ إجابةِ الدَّعوةِ؛ لعُمومِ الأحاديثِ الوارِدةِ في ذلك، وعَدَمِ المُخَصِّصِ [557] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (15/86). .

انظر أيضا: