الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الثَّانيةُ: قَبولُ القاضي هَديَّةَ مَن له عادةٌ بالهَديَّةِ إليه قَبلَ الوِلايةِ


أوَّلًا: أن تَكونَ للمُهدي خُصومةٌ عِندَ القاضي
يَحرُمُ على القاضي أن يَقبَلَ هَديَّةَ مَن له عادةٌ بالهَديَّةِ إليه قَبلَ الوِلايةِ، وكانَت له خُصومةٌ عِندَه، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [484] ((الهداية)) للمرغيناني (3/103)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (6/305). ، والمالِكيَّةِ [485] ((الكافي)) لابن عبد البر (2/953). ، والشَّافِعيَّةِ [486] ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/467)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (6/287). ، والحَنابِلةِ [487] ((الإقناع)) للحجاوي (4/381)، ((منتهى الإرادات)) لابن النجار (5/272). ؛ وذلك لأنَّ الهَديَّةَ في هذه الحالةِ لا تَخلو مِن تُهمةٍ، فتَكونُ في مَعنى الرِّشوةِ، فلا يَحِلُّ قَبولُها [488] يُنظر: ((الممتع في شرح المقنع)) لابن المنجى (4/530). .
ثانيًا: ألَّا تَكونَ للمُهدي خُصومةٌ عِندَ القاضي
يَجوزُ للقاضي أن يَقبَلَ هَديَّةَ مَن له عادةٌ بالهَديَّةِ إليه قَبلَ الوِلايةِ، ولَم تَكُنْ له خُصومةٌ عِندَه، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [489] ((الهداية)) للمرغيناني (3/103)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (6/305). ، والمالِكيَّةِ في المعتَمَدِ [490] ((الكافي)) لابن عبد البر (2/953). ، والشَّافِعيَّةِ [491] ((مغني المحتاج)) للشربيني (6/287)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (8/255). ، والحَنابِلةِ [492] ((الإقناع)) للحجاوي (4/381)، ((منتهى الإرادات)) لابن النجار (5/272). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَن أبي حُمَيدٍ السَّاعِديِّ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((استَعمَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَجُلًا على صَدَقاتِ بَني سُلَيمٍ، يُدعى ابنَ اللُّتبيَّةِ، فلَمَّا جاءَ حاسَبَه، قال: هذا مالُكُم وهذا هَديَّةٌ. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فهَلَّا جَلَستَ في بَيتِ أبيكَ وأُمِّكَ حَتَّى تَأتيَكَ هَديَّتُكَ إن كُنتَ صادِقًا! ثُمَّ خَطَبَنا فحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه، ثُمَّ قال: أمَّا بَعدُ، فإنِّي أستَعمِلُ الرَّجُلَ مِنكُم على العَمَلِ مِمَّا ولَّاني اللهُ، فيَأتي فيَقولُ: هذا مالُكُم وهذا هَديَّةٌ أُهديَت لي، أفَلا جَلَسَ في بَيتِ أبيه وأُمِّه حَتَّى تَأتيَه هَديَّتُه؟! واللهِ لا يَأخُذُ أحَدٌ مِنكُم شَيئًا بغَيرِ حَقِّه إلَّا لَقيَ اللهَ يَحمِلُه يَومَ القيامةِ، فلَأعرِفَنَّ أحَدًا مِنكُم لَقيَ اللهَ يَحمِلُ بَعيرًا له رُغاءٌ، أو بَقَرةً لَها خوارٌ، أو شاةً تَيعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَه حَتَّى رُئيَ بَياضُ إبْطِه، يَقولُ: اللهُمَّ هَل بَلَّغتُ، بَصْرَ عَيني وسَمْعَ أُذُني)) [493] أخرجه البخاري (6979) واللفظ له، ومسلم (1832). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ قَولُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((أفَلا جَلَسَ في بَيتِ أبيه وأُمِّه حَتَّى تَأتيَه هَديَّتُهـ)) على تَعليلِ تَحريمِ الهَديَّةِ لكَونِ الوِلايةِ سَبَبَها، وهذه الهَديَّةُ لم يَكُنْ سَبَبُها الوِلايةَ، فجازَ قَبولُها [494] يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (4/227). .
ثانيًا: أنَّ التُّهمةَ مُنتَفيةٌ؛ لأنَّ الوِلايةَ لم تَكُنْ سَبَبَ الهَديَّةِ، فيَجوزُ قَبولُها في هذه الحالةِ [495] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (6/288). .

انظر أيضا: