الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الثَّانيةُ: مَواضِعُ صِحَّةِ القَضاءِ على الغائِبِ


اختَلَفَ الفُقَهاءُ الذينَ قالوا بصِحَّةِ القَضاءِ على الغائِبِ في مَواضِعِ صِحَّةِ القَضاءِ عليه، على قَولَينِ في الجُملةِ:
القَولُ الأوَّلُ: يَصِحُّ القَضاءُ على الغائِبِ في كُلِّ ما يَنفُذُ فيه حُكمُ القاضي مُطلَقًا، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [434] ((الكافي)) لابن عبد البر (2/931)، ((الشرح الكبير)) للدردير (4/162). ، وقَولٌ للشَّافِعيَّةِ [435] ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/537)، ((روضة الطالبين)) للنووي (11/196). ، وروايةٌ عِندَ الحَنابِلةِ [436] ((الفروع)) لابن مفلح (11/204،205). ، وهو مَذهَبُ الظَّاهِريَّةِ [437] (ويُقضى على الغائِبِ كما يُقضى على الحاضِرِ، وهو قَولُ الشَّافِعيِّ، وأبي سُلَيمانَ، وأصحابِهما). ((المحلى)) لابن حزم (8/434). ؛ وذلك لِما يَتَرَتَّبُ على تَركِ الحُكمِ على الغائِبِ مِن مَفاسِدَ عَظيمةٍ وتَعاوُنٍ على الإثمِ والعُدوانِ [438] يُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (8/438). .
القَولُ الثَّاني: يَصِحُّ القَضاءُ على الغائِبِ في غَيرِ العُقوباتِ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ -في الأصَحِّ- [439] للشَّافِعيَّةِ في القَضاءِ على الغائِبِ في العُقوباتِ تَفصيلٌ؛ فلَهم في حَقِّ اللهِ قَولانِ، أصَحُّهما: المَنعُ، وفي حَقِّ الآدَميِّ قَولانِ، والصَّحيحُ المَنصوصُ: الجَوازُ. ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/537)، ((روضة الطالبين)) للنووي (11/196). ، والحَنابِلةِ [440] يَرى الحَنابِلةُ في الصَّحيحِ مِنَ المَذهَبِ أنَّ القَضاءَ على الغائِبِ يَصِحُّ في غَيرِ الحُدودِ الخالِصةِ للَّهِ تعالى. ((الإقناع)) للحجاوي (4/403)، ((منتهى الإرادات)) لابن النجار (5/299،300). ، واختيارُ ابنِ تَيميَّةَ [441] قال ابنُ تيميَّةَ: (فأمَّا العُقوباتُ والحُدودُ فلا يُحكَمُ فيها على غائِبٍ). ((مجموع الفتاوى)) (27/299). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الحُدودَ يُسعى في دَرئِها ولا يوسَّعُ بابُها [442] يُنظر: ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/537). .
ثانيًا: أنَّ حُقوقَ اللهِ تَعالى مَبنيَّةٌ على المُساهَلةِ لاستِغنائِه، وحُقوقَ العِبادِ مَبنيَّةٌ على المُشاحَّةِ والتَّشديدِ لاحتياجِهم [443] يُنظر: ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/537)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (15/160). .

انظر أيضا: