الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الثَّانية: قَضاءُ القاضي بكِتابِ قاضٍ آخَرَ إليه في غَيرِ المالِ وما يُقصَدُ منه المالُ


اختَلَفَ الفُقَهاءُ في حُكمِ قَضاءِ القاضي بكِتابِ قاضٍ آخَرَ إليه في غَيرِ المالِ وما يُقصَدُ منه المالُ، على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: يُقبَلُ كِتابُ القاضي إلى القاضي في غَيرِ العُقوباتِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [340] يرى الحَنَفيَّةُ أنَّ كِتابَ القاضي يُقبَلُ في غَيرِ ما يَسقُطُ بالشُّبهةِ مِن حَدٍّ وقَوَدٍ. ((المبسوط)) للسرخسي (16/97)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (7/2). ، والشَّافِعيَّةِ -في الأصَحِّ- [341] للشَّافِعيَّةِ في كِتابِ القاضي في العُقوباتِ تَفصيلٌ؛ فلَهم في حَقِّ اللهِ قَولانِ، أصَحُّهما: المَنعُ، وفي حَقِّ الآدَميِّ قَولانِ، والصَّحيحُ المَنصوصُ: الجَوازُ. ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/537)، ((روضة الطالبين)) للنووي (11/196). ، والحَنابِلةِ [342] يرى الحَنابِلةُ في الصَّحيحِ مِنَ المَذهَبِ أنَّ كِتابَ القاضي يُقبَلُ في غَيرِ الحُدودِ الخالِصةِ للَّهِ تعالى. ((الإقناع)) للحجاوي (4/406،407)، ((منتهى الإرادات)) لابن النجار (5/307). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلى قَبولِ كِتابِ القاضي في غَيرِ الحُدودِ والقِصاصِ تَيسيرًا على النَّاسِ؛ لأنَّها حُقوقٌ تَثبُتُ مَعَ الشُّبُهاتِ، فلا تَنفَكُّ عَن شُبهَتِها أصلًا، أمَّا في الحُدودِ والقِصاصِ فهيَ مِمَّا يُدرَأُ بالشُّبُهاتِ مَعَ نُدرَتِها مُقارَنةً ببَقيَّةِ الحُقوقِ، فلا يُقبَلُ كِتابُ القاضي فيها؛ لأنَّ التَّرخيصَ بالحاجةِ إنَّما يَكونُ فيما تَعُمُّ به البَلوى [343] هذا دليلُ الحَنَفيَّةِ. يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (16/95). .
ثانيًا: أنَّ الحُدودَ يُسعى في دَرئِها ولا يوسَّعُ بابُها [344] هذا دليلُ الشَّافِعيَّةِ والحنابِلةِ. يُنظر: ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/537)، ((شرح المنتهى)) لابن النجار (11/317). .
ثالثًا: أنَّ حُقوقَ اللهِ تَعالى مَبنيَّةٌ على المُساهَلةِ لاستِغنائِه، وحُقوقَ العِبادِ مَبنيَّةٌ على المُشاحَّةِ والتَّشديدِ لاحتياجِهم [345] هذا دليلُ الشَّافِعيَّةِ والحنابِلةِ. يُنظر: ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/537)، ((شرح المنتهى)) لابن النجار (11/317). .
القَولُ الثَّاني: يُقبَلُ كِتابُ القاضي إلى القاضي في كُلِّ ما يَنفُذُ فيه حُكمُ القاضي مُطلَقًا، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [346] ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (7/276)، ((منح الجليل)) لعليش (8/364). ويُنظر: ((تبصرة الحكام)) لابن فرحون (2/30). ، وقَولٌ للشَّافِعيَّةِ [347] ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/537)، ((روضة الطالبين)) للنووي (11/196). ، وروايةٌ عِندَ الحَنابِلةِ [348] ((الإنصاف)) للمرداوي (11/321). ، وهو اختيارُ ابنِ تَيميَّةَ [349] قال ابنُ تيميَّةَ: (ويُقبَلُ كِتابُ القاضي إلى القاضي في الحُدودِ والقِصاصِ، وهو قَولُ مالِكٍ وأبي ثَورٍ في الحُدودِ، وقَولُ مالِكٍ والشَّافِعيِّ وأبي ثَورٍ ورِوايةٌ عَن أحمَدَ في القِصاصِ). ((المستدرك على مجموع الفتاوى)) (5/181). ، وابنِ عُثَيمين [350] قال ابنُ عُثَيمين: (فالصَّوابُ ما ذَهَبَ إليه شَيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ أنَّ كِتابَ القاضي إلى القاضي مَقبولٌ في كُلِّ ما يَنفُذُ فيه حُكمُ القاضي مِنَ الحُقوقِ التي للَّهِ، والتي لعِبادِ اللهِ). ((الشرح الممتع)) (15/362). ؛ وذلك لأنَّ الحاجةَ إلى كِتابةِ القاضي إلى القاضي فيما هو مِن حُقوقِ اللهِ واقِعةٌ كما هيَ في حُقوقِ الآدَميِّينَ [351] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (15/362). .

انظر أيضا: