الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: قَضاءُ القاضي بعِلمِه بما يَقَعُ في مَجلِسِ القَضاءِ


يَجوزُ للقاضي أن يَحكُمَ بعِلمِه بما يَقَعُ في مَجلِسِ القَضاءِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ -في المشهورِ- [287] ((التاج والإكليل)) للمواق (8/ 138)، ((منج الجليل)) لعليش (8/ 344). ، والشَّافِعيَّةِ [288] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (10/ 149)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (8/ 260). ، والحَنابِلةِ [289]  ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلج (8/ 184)، ((الإنصاف)) للمرداوي (11/ 250). ، وقَولٌ للحَنَفيَّةِ [290] عِندَ الحَنَفيَّةِ: لا يَقضي القاضي في مَجلِسِ القَضاءِ بعِلمِه استِحسانًا، وأمَّا قياسًا فيَجوزُ، وإذا اختَلَفَ الاستِحسانُ مَعَ القياسِ يُقدَّمُ الاستِحسانُ في المَذهَبِ عِندَ الحَنَفيَّةِ، إلَّا في مَسائِلَ مَعدودةٍ، مَسألَتُنا ليست منها. ((المبسوط)) للسرخسي (16/ 91)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/71). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 6). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
قال اللهُ تَعالى: كُونُوا قَوَّامِينَ بالقِسْطِ شُهَداءَ للَّهِ [النساء: 135] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
ليس مِنَ القِسطِ أن يَترُكَ الظَّالِمَ على ظُلمِه لا يُغَيِّرُه، وأن يُقِرَّ بحَضرَتِه بالطَّلاقِ، ثُمَّ يَحكُمَ لَها بالزَّوجيَّةِ والميراثِ، فيَظلِمَ أهلَ الميراثِ حَقَّهم، فيَنبَغي عليه أن يُعطيَ كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّه، وإلَّا فهو ظالِمٌ [291] يُنظر: ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (8/ 526)، ((الاستذكار)) لابن عبد البر (7/ 93).        .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَنِ الأشعَثِ بنِ قَيسٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: فيَّ أُنزِلَت -يَعني قَولَه تَعالى: إنَّ الذينَ يَشتَرونَ بعَهدِ اللهِ وأيمانِهِم ثَمَنًا قَليلًا أولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُم في الآخِرةِ إلى آخِرِ الآيةِ- كانَت لي بئرٌ في أرضِ ابنِ عَمٍّ لي، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «بَيِّنَتُكَ أو يَمينُه» [292] أخرجه البخاري (4550) واللفظ له، ومسلم (138). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ مِنَ البَيِّنةِ التي لا بَيِّنةَ أبيَنُ مِنها: صِحَّةَ عِلمِ الحاكِمِ بصِحَّةِ حَقِّهِ، فهو في جُملةِ هذا الخَبَرِ [293] يُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (8/ 526).    .
2- عَن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضيَ اللهُ عنهُ، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((مَن رَأى مِنكُم مُنكَرًا فليُغَيِّرْه بيَدِه، فإن لَم يَستَطِعْ فبِلِسانِه، فإن لَم يَستَطِعْ فبِقَلبِه، وذلك أضعَفُ الإيمانِ)) [294] رواه مسلم (49). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الحاكِمَ إن لَم يُغَيِّرْ ما رَأى مِنَ المُنكَرِ حَتَّى تَأتيَ البَيِّنةُ على ذلك، فقد عَصى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [295] يُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (8/ 526).    .
3- عَن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((...وأن نَقومَ -أو نَقولَ- بالحَقِّ حَيثُما كُنَّا، لا نَخافُ في اللهِ لَومةَ لائِمٍ)) [296] أخرجه البخاري (7200) واللفظ له، ومسلم (1709).            .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ ما عَلِمَه القاضي: مِنَ الحَقِّ الذي يَجِبُ أن يَقومَ به [297] يُنظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (7/ 93).                      .
ثالثًا: أنَّه جازَ لَه القَضاءُ بالبَيِّنةِ، فيَجوزُ القَضاءُ بعِلمِه بطَريقِ الأَولى؛ وهذا لأنَّ المَقصودَ مِنَ البَيِّنةِ ليس عَينَها، بَل حُصولُ العِلمِ بحُكمِ الحادِثةِ، وعِلمُه الحاصِلُ بالمُعايَنةِ أقوى مِن عِلمِه الحاصِلِ بالشَّهادةِ؛ لأنَّ الحاصِلَ بالشَّهادةِ عِلمُ غالِبِ الرَّأيِ وأكثَرِ الظَّنِّ، والحاصِلَ بالحِسِّ والمُشاهَدةِ عِلمُ القَطعِ واليَقينِ، فكانَ هذا أقوى؛ فكانَ القَضاءُ به أولى [298] يُنظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (7/ 93)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 7). .


انظر أيضا: