الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: اجتِماعُ الحُدودِ على شَخصٍ إذا كان فيها قَتلٌ


اختَلَف العُلَماءُ إذا اجتَمَعَت على شَخصٍ حُدودٌ فيها قَتلٌ [2127] مِثلُ: أن يَسرِقَ ويَزنيَ وهو مُحصَنٌ، فهَل يُرجَمُ فقَط؟ أم يُقطَعُ ويُجلَدُ، ثُمَّ يُرجَمُ؟ ومِثلُ: أن يَشرَبَ الخَمرَ وهو مُحارِبُ (قاطِعُ الطَّريقِ) فهَل يُقامُ عليه حَدُّ الحِرابةِ فقَط إذا كان الحَدُّ القَتلَ، أم يُجلَدُ حَدَّ شُربِ الخَمرِ ثُمَّ يُقتَلُ؟ ، على ثَلاثةِ أقوالٍ:
القَولُ الأوَّلُ: إذا اجتَمَعَت على شَخصٍ حُدودٌ، سَواءٌ كانت لحَقِّ اللهِ أو لحَقِّ الآدَميِّ، وفيها قَتلٌ، يُقتَلُ فقَط، وتَسقُطُ بَقيَّةُ الحُدودِ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [2128] استَثنى المالِكيَّةُ مِن ذلك حَدَّ القَذفِ؛ فقد ذَكَروا أنَّه لا يَدخُلُ في القَتلِ، بَل لا بُدَّ مِنِ استيفائِه قَبلَ القَتلِ. ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/ 347- 348)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (6/313- 314). ؛ وذلك لأنَّ القَتلَ يُجزِئُ عنِ الحُدودِ كُلِّها [2129] يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (6/313- 314). .
القَولُ الثَّاني: إذا اجتَمَعَت على شَخصٍ حُدودٌ فيها قَتلٌ، يُقتَلُ فقَط إن كانتِ الحُدودُ لحَقِّ اللهِ، وإن كان فيها حَقُّ الآدَميِّ يُستَوفى حَقُّ الآدَميِّ، ثُمَّ يُقتَلُ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [2130] ((المبسوط)) للسرخسي (9/ 85)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/51،52). ، والحَنابِلةِ [2131] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 376). ((الإنصاف)) للمرداوي (10/ 165)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/341)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/86). ، ووجهٌ للشَّافِعيَّةِ [2132] ((الحاوي الكبير)) للماوردي (12/122). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ هذه الحُدودَ تُرادُ لمُجَرَّدِ الزَّجرِ، ومَعَ القَتلِ لا حاجةَ إلى زَجرِه؛ لأنَّه لا فائِدةَ فيه، ويُفارِقُ القِصاصَ؛ فإنَّ فيه غَرَضَ التَّشَفِّي والانتِقامِ، ولا يُقصَدُ به مُجَرَّدُ الزَّجرِ [2133] ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/85). ويُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (9/ 85)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/52). .
ثانيًا: أنَّ حُقوقَ الآدَميِّينَ تُستَوفى كُلُّها، سَواءٌ كان فيها قَتلٌ أو لم يَكُنْ؛ لأنَّ حَقَّ الآدَميِّ مَبنيٌّ على الشُّحِّ والضِّيقِ [2134] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/86). .
القَولُ الثَّالِثُ: إذا اجتَمَعَت على شَخصٍ حُدودٌ، سَواءٌ كانت لحَقِّ اللهِ أو لحَقِّ الآدَميِّ، وفيها قَتلٌ، تُستَوفى كُلُّ الحُدودِ أوَّلًا، ثُمَّ يُقتَلُ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ [2135] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/ 164)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 184،185). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
1- قال تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى: 40] .
2- قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة: 194] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الآيَتَينِ دَليلٌ على أنَّه يَنبَغي أن يُجازى المُعتَدي على كُلِّ أمرٍ، ويُستَوفى مِنه كُلُّ حَقٍّ [2136] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (12/122). .
ثانيًا: لأنَّ القَطعَ والقَتلَ حَقَّانِ لشَخصَينِ، فلَم يَجُزْ أن يَتَداخَلا، كالدُّيونِ وسائِرِ الحُقوقِ [2137] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (12/122). .

انظر أيضا: