الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: الشَّفاعةُ في الحُدودِ بَعدَ وُصولِها للإمامِ


تَحرُمُ الشَّفاعةُ في الحُدودِ بَعدَ وُصولِها للإمامِ.
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها ((أنَّ قُرَيشًا هَمَّهم شَأنُ المَخزوميَّةِ التي سَرَقَت، فقالوا: مَن يُكَلِّمُ فيها رَسولَ اللهِ؟ فقالوا: مَن يَجتَرِئُ عليه إلَّا أُسامةُ حِبُّ رَسولِ اللهِ، فكَلَّمَه أُسامةُ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أتَشفَعُ في حَدٍّ مِن حُدودِ اللهِ، ثُمَّ قامَ فاختَطَبَ، فقال: أيُّها النَّاسُ، إنَّما أهلَك الذينَ قَبلَكُم أنَّهم كانوا إذا سَرَقَ فيهمُ الشَّريفُ تَرَكوه، وإذا سُرِقَ فيهمُ الضَّعيفُ أقاموا عليه الحَدَّ، وايمُ اللَّهِ لو أنَّ فاطِمةَ بنتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَت لَقَطَعتُ يَدَها)) [2100] أخرجه البخاري (3475)، ومسلم (1688) واللفظ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
فيه النَّهيُ عنِ الشَّفاعةِ في الحُدودِ بَعدَ بُلوغِه إلى الإمامِ [2101] يُنظر: ((عمدة القاري)) (16/ 60).  .
2- عن صَفوانَ بنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّه سُرِقَت خَميصَتُه مِن تَحتِ رَأسِه وهو نائِمٌ في مَسجِدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأَخَذَ اللِّصَّ، فجاءَ به إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأمَر بقَطعِه، فقال صَفوانُ: أتَقطَعُه؟ قال: ((فهَلَّا قَبلَ أن تَأتيَني به تَرَكتَهـ)) [2102] أخرجه النسائي (4884) واللفظ له، وأحمد (15503).  صَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (4884)، وصَحَّحه شعيب الأرناؤوط بطرقه وشاهده في تخريج ((مسند أحمد)) (15503). .
وفي رِوايةٍ بلَفظِ: فقال صَفوانُ: يا رَسولَ اللهِ، لم أُرِدْ هذا، رِدائي عليه صَدَقةٌ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فهَلَّا قَبلَ أن تَأتيَني بهـ)) [2103] أخرجها ابن ماجه (2595) واللفظ له، وأحمد (15303). صَحَّحها ابن العربي في ((القبس)) (3/1024)، ومحمد ابن عبد الهادي في ((تنقيح التحقيق)) (4/563)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجهـ)) (2595)، وصَحَّحها شعيب الأرناؤوط بطرقها وشاهدها في تخريج ((مسند أحمد)) (15303). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فهَلَّا قَبلَ أن تَأتيَني به تَرَكتَهـ)) دَليلٌ على عَدَمِ جَوازِ الشَّفاعةِ في حَدِّ اللهِ تعالى بَعدَ أن يَبلُغَ الإمامَ [2104] يُنظر: ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/ 336). .
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عن ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: (مَن حالَت شَفاعَتُه دونَ حَدٍّ مِن حُدودِ اللهِ فقدَ ضادَّ اللَّهَ في خَلقِهـ) [2105] أخرجه عبد الرزاق (20905)، وابن أبي شيبة (28661) واللفظ له. صَحَّحه الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (7/274)، وقال أبو حاتم الرازي في ((العلل)) لابن أبي حاتم (2045): الصَّحيحُ عن ابنِ عُمَرَ: مَوقوفٌ. .      
وَجهُ الدَّلالةِ:
هذا وعيدٌ شَديدٌ على الشَّفاعةِ في الحُدودِ إذا وصَلَت إلى الإمامِ وثَبَتَت [2106] يُنظر: ((فيض القدير)) للمناوي (3/ 145). .    
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عَبدِ البَرِّ [2107] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (السُّلطانُ لا يَحِلُّ له أن يُعَطِّلَ حَدًّا مِنَ الحُدودِ التي للهِ عَزَّ وجَلَّ إقامَتُها عليه إذا بَلَغَته كَما ليس له أن يَتَجَسَّسَ عليها إذا استَتَرَت عنه، وبِأنَّ الشَّفاعةَ في ذَوي الحُدودِ حَسَنةٌ جائِزةٌ -وإن كانتِ الحُدودُ فيها واجِبةً- إذا لم تَبلُغِ السُّلطانَ، وهذا كُلُّه لا أعلَمُ فيه خِلافًا بَينَ العُلَماءِ). ((الاستذكار)) (24/ 176). ، وابنُ قُدامةَ [2108] قال ابنُ قُدامةَ: (أجمَعوا على أنَّه إذا بَلَغَ -أي: الحَدُّ- الإمامَ، لم تُجِزِ الشَّفاعةُ فيهـ). ((المغني)) (9/139). ، والنَّوويُّ [2109] قال النَّوويُّ: (أجمَعَ العُلَماءُ على تَحريمِ الشَّفاعةِ في الحَدِّ بَعدَ بُلوغِه إلى الإمامِ). ((شرح صحيح مسلم)) (11/ 186). .
رابِعًا: لأنَّ في الشَّفاعةِ إسقاطَ حَقٍّ وجَبَ للهِ تعالى [2110] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/140). .

انظر أيضا: