الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: الشَّفاعةُ في الحُدودِ قَبلَ وُصولِها للإمامِ


تَجوزُ الشَّفاعةُ في الحُدودِ قَبلَ وُصولِها للإمامِ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [2088] ((البحر الرائق)) (5/ 2)، ((حاشية ابن عابدين على الدر المختار)) (4/ 4). ، والمالِكيَّةِ [2089] استَثنى المالِكيَّةُ المَشفوعَ فيه إذا عُرِف بالشَّرِّ والفَسادِ. ((مواهب الجليل)) للحطاب (6/ 320)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (4/ 489).  ، والشَّافِعيَّةِ [2090] استَثنى الشَّافِعيَّةُ المَشفوعَ فيه إذا عُرِف بالشَّرِّ والفَسادِ. ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/ 152)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 176). ، والحَنابِلةِ [2091] ((الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل)) للحجاوي (4/ 285)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 145). ، وقال به بَعضُ السَّلَفِ [2092] قال ابنُ المُنذِرِ: (ومِمَّن كان هذا مَذهَبَه: سَعيدُ بنُ جُبَيرٍ، وعَطاءٌ، ومُجاهِدٌ. وقال الزُّهريُّ: العَفوُ عنِ الحُدودِ جائِزٌ ما لم يَبلُغِ الإمامَ، فإذا شهِدَ عليه عِندَ الإمامِ أقامَها.... وهذا مَذهَبُ الأوزاعيِّ). ((الأوسط)) (12/378). ويَنظُرُ: ((المغني)) لابن قدامة (9/ 139). ، ونُفِيَ العِلمُ بالخِلافِ في ذلك [2093] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (الشَّفاعةُ في ذَوي الحُدودِ حَسَنةٌ جائِزةٌ -وإن كانتِ الحُدودُ فيها واجِبةً- إذا لم تَبلُغِ السُّلطانَ، وهذا كُلُّه لا أعلَمُ فيه خِلافًا بَينَ العُلَماءِ). ((الاستذكار)) (24/ 176).  .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
1- عنِ الفَرافِصةِ الحَنَفيِّ، قال: (مَرَّ علينا الزُّبَيرُ رَضِيَ اللهُ عنه، وقد أخَذنا سارِقًا، فجَعَلَ يَشفعُ لَه فقال: أرسِلوه. قال: قُلنا: يا أبا عَبدِ اللَّهِ، تَأمُرُنا أن نُرسِلَه؟ قال: إنَّ ذلك يُفعَلُ دونَ السُّلطانِ، فإذا بَلَغَ السُّلطانَ فلا أعفاه اللَّهُ إن أعفاهـ) [2094] أخرجه ابن أبي شيبة (28657)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (4/384)، والبيهقي (17683) واللفظ له حَسَّن إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (4/384). .  
2- عن عِكرِمةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما (أنَّه أخَذَ سارِقًا فزَوَّدَه وأرسَلَه، وأنَّ عَمَّارًا أخذ سارِقَ عَيبَتِه، فدُلَّ عليه فلَم يُهِجْه وتَرَكَهـ) [2095] أخرجه عبد الرزاق (18930). ، وفي رِوايةٍ: (أنَّ عَمَّارَ بنَ ياسِرٍ أخَذَ سارِقًا، ثُمَّ قال: أستُرُه، لَعَلَّ اللَّهَ يَستُرُني) [2096] أخرجه عبد الرزاق (18929)، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (23/131). .
وَجهُ الدَّلالةِ مِنَ الأثَرَينِ:
دَلَّ الأثَرانِ أنَّ الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم عَفَوا وشَفَعوا في الحُدودِ قَبلَ أن تَبلُغَ السُّلطانَ؛ فدَلَّ ذلك على جَوازِ الشَّفاعةِ قبلَ رَفعِه للحاكِمِ [2097] يُنظر: ((الأوسط)) لابن المنذر (12/378). .
ثانيًا: أنَّ الحَدَّ لا يَجِبُ إلَّا بَعدَ بُلوغِه إلى الإمامِ وصِحَّتِه عِندَه، فإذِ الأمرُ كذلك فالتَّركُ لطَلَبِ صاحِبِه قَبلَ ذلك مُباحٌ؛ لأنَّه لم يَجِبْ عليه فيما فعَلَ حَدٌّ بَعدُ، ورَفعُه أيضًا مُباحٌ؛ إذ لم يَمنَعْ مِن ذلك نَصٌّ أو إجماعٌ، فإذ كِلا الأمرَينِ مُباحٌ فالأحَبُّ أن يُعفى عنه ما كان لأوَّلِ مَرَّةٍ ومَستورًا [2098] يُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (12/57). .
ثالِثًا: أنَّ وُجوبَ الحَدِّ قَبلَ ذلك لم يَثبُتْ، فالوُجوبُ لا يَثبُتُ بمُجَرَّدِ الفِعلِ [2099] يُنظر: ((حاشية ابن عابدين على الدر المختار)) (4/ 4). .

انظر أيضا: