الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّاني: عُقوبةُ المُرتَدِّ


عُقوبةُ المُرتَدِّ إذا لم يَتُبِ القَتلُ حدًّا، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1840] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/ 284)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/ 225)، ، والمالِكيَّةِ [1841] ((التاج والإكليل)) للمواق (8/ 373)، ((منح الجليل)) لعليش (9/ 212). ، والشَّافِعيَّةِ [1842] ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 293)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/97). ، والحَنابِلةِ [1843] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 481). ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/174). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [1844] قال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعَ أهلُ العِلمِ بأنَّ العَبدَ إذا ارتَدَّ فاستُتيبَ فلم يَتُبْ، قُتِل، ولا أحفَظُ فيه خِلافًا). ((الإجماع)) (ص: 128). وقال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (وفِقهُ هذا الحَديثِ: أنَّ مَنِ ارتَدَّ عن دينِه حَلَّ دَمُه، وضُرِبَت عُنُقُه، والأُمَّةُ مُجتَمِعةٌ على ذلك). ((التمهيد)) (5/ 306). وقال أيضًا: (فالقَتلُ بالرِّدَّةِ -على ما ذَكَرنا- لا خِلافَ بَينَ المُسلِمينَ فيه، ولا اختَلَفتِ الرِّوايةُ والسُّنَّةُ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيه، وإنَّما وقَعَ الاختِلافُ في الاستِتابةِ). ((التمهيد)) (5/ 318). وقال الكاسانيُّ: (لأنَّه لم يُشرَعْ فيه إلَّا الإسلامُ أوِ السَّيفُ... وكَذا الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم أجمَعوا عليه في زَمَنِ سَيِّدِنا أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهـ). ((بدائع الصنائع)) (7/ 136). وقال ابنُ رُشدٍ الحَفيدُ: (والمُرتَدُّ إذا ظُفِرَ به قَبلَ أن يُحاربَ، فاتَّفقوا على أنَّه يُقتَلُ الرَّجُلُ). ((بداية المجتهد)) (2/ 376). وقال ابنُ قُدامةَ: (أجمَعَ أهلُ العِلمِ على وُجوبِ قَتلِ المُرتَدِّ، ورُويَ ذلك عن أبي بَكرٍ، وعُمَرَ، وعُثمانَ، وعليٍّ، ومُعاذٍ، وأبي موسى، وابنِ عبَّاسٍ، وخالِدٍ، وغَيرِهم، ولم يُنكَرْ ذلك، فكان إجماعًا). ((المغني)) (9/ 3).  وقال النَّوويُّ: (فيه وُجوبُ قَتلِ المُرتَدِّ، وقد أجمَعوا على قَتلِهـ). ((شرح النووي على مسلم)) (12/ 208). وقال الصَّنعانيُّ: (يَجِبُ قَتلُ المُرتَدِّ، وهو إجماعٌ). ((سبل السلام)) (3/264). وخالَف في ذلك النَّخعيُّ، وقال: يُستَتابُ أبَدًا، وهذا القَولُ يُفضي إلى أنَّه لا يُقتَلُ أبَدًا. قال ابنُ قُدامةَ: (قال النَّخعيُّ: يُستَتابُ أبَدًا. وهذا يُفضي إلى أن لا يُقتَلَ أبَدًا، وهو مُخالِفٌ للسُّنَّةِ والإجماعِ). ((المغني)) (9/ 6). ويُنظر: ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (12/ 116). .
الأدِلَّة:ِ
 أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن بَدَّل دينَه فاقتُلوهـ)) [1845] أخرجه البخاري (3017). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ الحَديثُ على أنَّ مَنِ ارتَدَّ عن دينِه حَلَّ دَمُه، وضُرِبَت عُنُقُه [1846] يُنظر: ((التمهيد)) لابن عبد البر (5/ 306). .
2- عن أبي موسى رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((...ولكن اذهَبْ أنت يا أبا موسى -أو يا عبدَ اللهِ بنَ قَيسٍ- إلى اليَمنِ، ثُمَّ أتبَعَه مُعاذَ بنَ جَبلٍ، فلمَّا قَدِم عليه ألقى له وِسادةً، قال: انزِلْ، وإذا رجُلٌ عندَه مُوثَقٌ، قال: ما هذا؟ قال: كان يَهوديًّا فأسلَم، ثُمَّ تهوَّدَ. قال: اجلِسْ. قال: لا أجلسُ حتَّى يُقتَلَ، قضاءُ اللهِ ورسولِه، ثلاثَ مَرَّاتٍ. فأمَر به فقُتِل، ثُمَّ تذاكَرنا قيامَ اللَّيلِ، فقال أحدُهما: أمَّا أنا فأقومُ وأنامُ، وأرجو في نَومتي ما أرجو في قَومتي)) [1847] أخرجه البخاري (6923) واللفظ له، ومسلم (1733).
3- عن ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مُسلِمٍ يَشهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنِّي رَسولُ اللهِ إلَّا بإحدى ثَلاثٍ: النَّفسُ بالنَّفسِ، والثَّيِّبُ الزَّاني، والمارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ للجَماعةِ)) [1848] أخرجه البخاري (6878) واللفظ له، ومسلم (1676). .      
وَجهُ الدَّلالةِ مِنَ الحَديثَينِ:
الحَديثانِ صَريحانِ في أنَّ مَنِ ارتَدَّ استَوجَبَ القَتلَ [1849] يُنظر: ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 481).  .
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عن جَدِّ يَعقوبَ الزُّهريِّ، قال: (لمَّا افتَتَحَ سَعدٌ وأبو موسى رَضِيَ اللهُ عنهما تُستَرَ، أرسَلَ أبو موسى رَسولًا إلى عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه، فذَكَر حَديثًا طَويلًا، قال: ثُمَّ أقبَلَ عُمَرُ على الرَّسولِ فقال: هَل كانت عِندَكُم مِن مُغَرِّبةِ خَبَرٍ؟ قال: نَعَمْ، يا أميرَ المُؤمِنينَ، أخَذنا رَجُلًا مِنَ العَرَبِ كَفَر بَعدَ إسلامِه، قال عُمَرُ رضِيَ اللهُ عنه: فما صَنَعتُم به؟ قال: قَدَّمناه فضَرَبنا عُنُقَه، قال عُمَرُ رضِيَ اللهُ عنه: أفلا أدخَلتُموه بَيتًا ثُمَّ طَيَّنتُم عليه ثُمَّ رَمَيتُم إليه برَغيفٍ ثَلاثةَ أيَّامٍ؛ لَعَلَّه أن يَتوبَ أو يُراجِعَ أمرَ اللهِ، اللهُمَّ إنِّي لم آمُرْ، ولم أَشهَدْ، ولَم أرضَ إذ بَلَغَني) [1850] أخرجه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (5107). صَحَّح إسنادَه العيني في ((نخب الأفكار)) (12/165). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
فيه دَليلٌ على أنَّ المُرتَدَّ يُؤَجَّلُ لَه ثَلاثةَ أيَّامٍ، يُستَتابُ فيها، فإن تابَ وإلَّا قُتِلَ [1851] يُنظر: ((نخب الأفكار)) للعيني (12/ 166).  .

انظر أيضا: