جاءَ التَّحذيرُ الشَّديدُ فيمَن كَفرَ بَعدَ إسلامِه، وبَيانُ ما يَستَحِقُّه منَ العِقابِ، ولكِن قَبلَ أن يُقامَ عليه الحَدُّ والعِقابُ يُستَتابُ فلعَلَّه يَتوبُ؛ ولهذا كان عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه يَرى أنَّ المُرتَدَّ يُستَتابُ، ولمَّا افتَتَحَ سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ وأبو موسى الأشعَريُّ رَضِيَ اللهُ عنهما تُستَرَ -وهي مَدينةٌ عَظيمةٌ من مُدُنِ فارِسَ- أرسَل أبو موسى رَضِيَ اللهُ عنه رسولًا إلى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه يُبَشِّرُه بفتحِ هذه المَدينةِ في قِصَّةٍ طَويلةٍ، وفيها أنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه سَأل هذا الرَّسولَ، وقال: هل كانت عِندَكُم من مُغَرِّبةِ خَبَرٍ؟ أي: هل كان فيكُم مَن أمرٍ غَريبٍ لا عَهدَ لكُم بمِثلِه؟ فقال هذا الرَّسولُ: نَعَم، رَجُلٌ كَفرَ بَعدَ إسلامِه، كما في الرِّوايةِ الأخرى، فقال عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه: فما صَنَعتُم وفعَلتُم به، فقال الرَّجُلُ: قدَّمناه للقَتلِ فضَرَبنا عُنُقَه، أي: بدونِ استِتابةٍ ولا غَيرِها، فقال عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه: أفلا أدخَلتُموه بَيتًا، ثمَّ طَيَّنتُم عليه، أي: حَبَستُموه في بَيتٍ، ثمَّ رَمَيتُم إليه برَغيفٍ ثَلاثةَ أيَّامٍ، أي: أطعَمتُموه ثَلاثةَ أيَّامٍ لعَلَّه أن يَتوبَ أو يُراجِعَ أمرَ اللهِ، فيَعودَ إلى الإسلامِ؟ ثمَّ إنَّه تَبَرَّأ من هذا الفِعلِ وقال رَضِيَ اللهُ عنه: اللَّهمَّ إنِّي لم آمُرْ، ولم أشهَدْ، أي: لم أحضُرْ قَتلَه بدونِ استِتابةٍ ولم أرضَ إذ بلَغَني، وهذا فيه تَصريحٌ منه رَضِيَ اللهُ عنه بخَطَأِ قَتلِ المُرتَدِّ بدونِ استِتابةٍ. وفي المَسألةِ خِلافٌ: هل يُستَتابُ المُرتَدُّ أم لا؟ وكَم مُدَّةُ استِتابَتِه؟ ومَحَلُّه كُتُبُ الفِقهِ.
وفي الحَديثِ سُؤالُ الأميرِ أحَدَ الرَّعيَّةِ ما غابَ عنه؛ ليَعرِفَ أحوالَهم وما حَصَل لهم.
وفيه بَيانُ أنَّ عُقوبةَ المُرتَدِّ القَتلُ.
وفيه سُؤالُ الأميرِ عَمَّا قد يَجتَهدُ فيه أحَدُ نوَّابه في مَسألةٍ شَرعيَّةٍ ليَرى هل أصابوا أم لا.
وفيه مَشروعيَّةُ استِتابةِ المُرتَدِّ ثَلاثةَ أيَّامٍ.
وفيه مَشروعيَّةُ إطعامِ المُرتَدِّ ثَلاثةَ أيَّامٍ.
وفيه تَبَرُّؤُ الأميرِ ممَّا قد يَقَعُ من بَعضِ الرَّعيَّةِ منَ الخَطَأِ دونَ الرُّجوعِ إليه.