الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالِثُ: حُكمُ قِتالِ البُغاةِ


يَجِبُ قِتالُ الفِئةِ الباغيةِ.
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قَولُ اللهِ تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات: 9] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللَّهَ أمَرَ بقِتالِ التي تَبغي حتَّى تَفيءَ إلى أمرِ اللهِ [1737] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (16/ 317). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن بايَعَ إمامًا، فأعطاه صَفقةَ يَدِه، وثَمَرةَ قَلبِه، فليُطِعْه إنِ استَطاعَ، فإن جاءَ آخَرُ يُنازِعُه فاضرِبوا عُنُقَ الآخَرِ )) [1738] أخرجه مسلم (1844). .
2- عن عَرفَجةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((مَن أتاكُم وأمَرُكُم جَميعٌ على رَجُلٍ واحِدٍ، يُريدُ أن يَشُقَّ عَصاكُم، أو يُفرِّقَ جَماعَتَكُم، فاقتُلوهـ)) [1739] أخرجه مسلم (1852). .
وفي رِوايةٍ: ((مَن أرادَ أن يُفرِّقَ أمرَ هذه الأُمَّةِ وهيَ جَميعٌ، فاضرِبوه بالسَّيفِ كائِنًا مَن كان )) [1740] أخرجها مسلم (1852). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ هذا الحَديثُ على أنَّ مَن خَرَجَ على إمامٍ قدِ اجتَمَعَت عليه كَلِمةُ المُسلِمينَ، فإنَّه قدِ استَحَقَّ القَتلَ؛ لإدخالِه الضَّرَرَ على العِبادِ، وظاهِرُه سَواءٌ كان جائِرًا أو عادِلًا [1741] يُنظر: ((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 378). .
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عَبدِ البَرِّ [1742] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (أجمَعَ العُلَماءُ على أنَّ مَن شَقَّ العَصا وفارَقَ الجَماعةَ، وشَهَر على المُسلِمينَ السِّلاحَ، وأخاف السَّبيلَ، وأفسَدَ بالقَتلِ والسَّلبِ، فقَتلُهم وإراقةُ دِمائِهم واجِبٌ؛ لأنَّ هذا مِنَ الفسادِ العَظيمِ في الأرضِ، والفسادُ في الأرضِ موجِبٌ لإراقةِ الدِّماءِ بإجماعٍ، إلَّا أن يَتوبَ فاعِلُ ذلك مِن قَبلِ أن يُقدَرَ عليه، والانهزامُ عِندَهم قَريبٌ مِنَ التَّوبةِ، وكذلك مَن عَجَز عنِ القِتالِ لم يُقتَلْ إلَّا بما وجَبَ عليه قَبلَ ذلك). ((التمهيد)) (15/291). ، والجَصَّاصُ [1743] قال الجَصَّاص: (لم يَختَلِفْ أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في وُجوبِ قِتالِ الفِئةِ الباغيةِ بالسَّيفِ، إذا لم يَردَعْها غَيرُهـ). ((أحكام القرآن)) (5/ 281). ، والقاضي عِياضٌ [1744] قال القاضي عياضٌ: (أجمَعَ العُلَماءُ على أنَّ الخَوارِجَ وأشباهَهم مِن أهلِ البِدَعِ والبَغيِ مَتى خَرَجوا على الإمامِ، وخالَفوا رَأيَ الجَماعةِ، وشَقُّوا العَصا، وجَبَ قِتالُهم بَعدَ إنذارِهم والإعذارِ إليهم). ((إكمال المعلم)) (3/ 613). ، وابنُ قُدامةَ [1745] قال ابنُ قُدامةَ: (أجمَعَتِ الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم على قِتالِ البُغاةِ). ((المغني)) (8/ 523). ، وبَهاءُ الدِّينِ المَقدِسيُّ [1746] قال بَهاءُ الدِّينِ المَقدسيُّ: (اجتَمَعَتِ الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم على قِتالِ البُغاةِ). ((العدة شرح العمدة)) (2/ 186). ، والنَّوويُّ [1747] قال النَّوويُّ: (هذا تَصريحٌ بوُجوبِ قِتالِ الخَوارِجِ والبُغاةِ، وهو إجماعُ العُلَماءِ). ((شرح النووي على مسلم)) (7/169- 170). ، والشِّربينيُّ [1748] قال الشِّربينيُّ: (الإجماعُ مُنعَقِدٌ على قِتالِهم، أي البُغاةِ). ((مغني المحتاج)) (5/ 401). .

انظر أيضا: