الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الخامِسُ: مَن قَتَلَ شَخصًا في دارِه وادَّعى أنَّه صالَ عليه أو على حَريمِه أو على مالِه، فهَل تُقبَلُ دَعواه؟


 مَن قَتَلَ شَخصًا في دارِه وادَّعى أنَّه صالَ عليه أو على حَريمِه أو على مالِه، فلا تُقبَلُ دَعواه إلَّا ببَيِّنةٍ [1726] فإنْ لم يَكُنْ له بَيِّنةٌ يُنظَرُ في القَرائِنِ، كَأن يَكونَ المَقتولُ مَعروفًا بالشَّرِّ والسَّرِقةِ، أو بَينَه وبَينَ القَتيلِ عَداوةٌ. يُنظر: ((الدر المختار للحصكفي وحاشية ابن عابدين)) (6/ 546 -547)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 199). ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/ 258). قال ابنُ عُثَيمين: (مَسألةٌ: لَو أنِّي قاتَلتُه دِفاعًا عن نَفسي وأهلي ومالي، ثُمَّ طالَبَني أولياؤُه بالقِصاصِ، وقالوا: أنتَ قَتَلتَه، فنَحنُ نَطلُبُ أن تُقتَلَ، فقال: إنِّي مُدافِعٌ عن نَفسي، قالوا: هاتِ الشُّهودَ، قال: لَو كان هناكَ شُهودٌ ما هاجَمَني، قالوا: ليس عِندَك إلَّا دَعوى، أنتَ الذي دَعَوتَه إلى بَيتِك لتَقتُلَه، إذًا نُطالِبُ بأن تُقتَلَ، فماذا يَصنَعُ؟ الجَوابُ: القَضاءُ يَحكُمُ بقَتلِه،... ولَكِن قال شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ رَحِمَه اللهُ: إنَّه يَجِبُ أن يُنظَرَ في القَرائِنِ؛ لأنَّ وُجودَ البَيِّنةِ في مِثلِ هذه الحالاتِ مُتَعَسِّرٌ أو مُتَعَذِّرٌ، ولأنَّ هذا يَقَعُ كَثيرًا، أن يَصولَ الإنسانُ على أحَدٍ، ثُمَّ يُدافِعَ المُصولُ عليه عن نَفسِه حتَّى يَصِلَ إلى دَرَجةِ القَتلِ، فيُنظَرُ في هذا إلى القَرائِنِ، فإذا كان المَقتولُ مَعروفًا بالشَّرِّ والفسادِ، والقاتِلُ مَعروفًا بالخَيرِ والصَّلاحِ، فالقَولُ قَولُ القاتِلِ، وحينَئِذٍ لا ضَمانَ عليه؛ لأنَّ قَولَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «البَيِّنةُ على المُدَّعي» هذا بالاتِّفاقِ، والبَيِّنةُ: كُلُّ ما أبانَ الحَقَّ وأظهَرَه، وإذا قامَتِ القَرينةُ القَويَّةُ الظَّاهرةُ على صِدقِ الدَّعوى فإنَّه يَجِبُ العَمَلُ بمُقتَضاها، كَما قُلنا في دَعوى الرَّجُلِ لباسًا في يَدِ غَيرِه، وهو ليس عليه لباسٌ؛ فإنَّ القَولَ قَولُ المُدَّعي، كَما لَو رَأينا رَجُلًا ليس عليه غُترةٌ، وآخَرُ يَلبَسُ على رَأسِه غُترةً وأُخرى بيَدِه، وهو هارِبٌ، والآخَرُ يَركُضُ وراءَه، يَقولُ: أعطِني غُترتي، فهذه قَرينةٌ ظاهرةٌ تُؤَيِّدُ دَعوى المُدَّعي، فيُعمَلُ بها، وكذلك في مَسألةِ القَسامةِ ففيها قَتلٌ، لَكِنَّها مَبنيَّةٌ على القَرينةِ، فجُعِلَتِ الأيمانُ في جانِبِ المُدَّعي، فقَولُ شَيخِ الإسلامِ رَحِمَه اللهُ هو الحَقُّ في هذه المَسألةِ). ((الشرح الممتع)) (14/387-388). ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1727] ((الدر المختار)) للحصكفي (6/ 546 -547)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/117). ، والمالِكيَّةِ [1728] يَرى المالِكيَّةُ أنَّ البَيِّنةَ شَرطٌ لقَبولِ دَعواه إن كان في مَكانٍ يَحضُرُه النَّاسُ، أمَّا إذا لم يَحضُرْه أحَدٌ فيُقبَلُ قَولُه بيَمينِه. ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (8/206)، ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 357). ، والشَّافِعيَّةِ [1729] ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 190)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 199). ، والحَنابِلةِ [1730] ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 156)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/ 258). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((البَيِّنةُ على المُدَّعي، واليَمينُ على المُدَّعى عليهـ)) [1731] أخرجه البيهقي (21735). حَسَّن إسنادَه ابن الملقن في ((خلاصة البدر المنير)) (2/449)، وذكر ثبوته الشافعي في ((الأم)) (8/27). وقوله: ((اليمين على المدعى عليهـ)) أصله في صحيح البخاري (2514)، ومسلم (1711). .
ثانيًا: أنَّ الأصلَ عَدَمُ ما يَدَّعيه، فلا يَسقُطُ حُكمُ القَتلِ بمُجَرَّدِ الدَّعوى [1732] يُنظر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (28/ 110).  .
ثالِثًا: أنَّه لَو قُبِلَ قَولُه لأُهدِرَتِ الدِّماءُ، وكان كُلُّ مَن أرادَ قَتلَ رَجُلٍ أدخَلَه دارَه، وادَّعى أنَّه صالَ عليه في بَيتِه [1733] يُنظر: ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/ 362).  .

انظر أيضا: