الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: أن يَكونَ مُكَلَّفًا


يُشتَرَطُ لإقامةِ حَدِّ السَّرِقةِ أن يَكونَ السَّارِقُ مُكَلَّفًا.
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((رُفِع القَلَمُ عن ثَلاثٍ: عنِ النَّائِمِ حتَّى يَستَيقِظَ، وعنِ الصَّغيرِ حتَّى يَكبَرَ، وعنِ المَجنونِ حتَّى يَعقِلَ أو يُفيقَ )) [1219] أخرجه النسائي (3432) واللفظ له، وابن ماجه (2041)، وأحمد (24694).  وأخرجه أبو داود (4398) بلفظ: (وعن المبتلى حتى يبرأ) بدل المجنون، وأخرجه الحاكم (2350)، والبيهقي (12284) بلَفظ: (وعنِ المَعتوهِ حتَّى يُفيقَ). صَحَّحه الحاكِمُ، وقال: على شَرطِ مُسلِمٍ، وابنُ العَرَبيِّ في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن النسائي)) (3432)، وجَوَّد إسنادَه شُعَيب الأرناؤوط في تَخريج ((مسند أحمد)) (24694)، وقال ابنُ كَثير في ((إرشاد الفقيهـ)) (1/89): إسنادُه على شَرطِ مُسلِمٍ، وقال البخاريُّ كما في ((العلل الكبير)) للتِّرمِذيِّ (225): أرجو أن يَكونَ مَحفوظًا، وقال ابنُ حَجَرٍ في ((فتح الباري)) (12/124): له شاهِدٌ، وله طُرُقٌ يُقَوِّي بَعضُها بَعضًا. ولِلحَديثِ شاهدٌ من حديثِ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه. أخرجه الترمذي (1423) بلَفظ: (المَعتوهِ حتَّى يَعقِلَ)، وأخرجه أحمد (956)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (7306)، على الشَّكِّ: (المَعتوهِ أوِ المَجنونِ حتَّى يَعقِلَ). صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (1423)، وصَحَّحه لغَيرِه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (1183 )، وحَسَّنَه البخاريُّ كما في ((العلل الكبير)) للترمذي (226)، وصَحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (2/197). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أخبَرَ أنَّ القَلَمَ مَرفوعٌ عنِ الصَّغيرِ والمَجنونِ، وفي إيجابِ القَطعِ إجراءُ القَلَمِ عليهما، وهذا خِلافُ النَّصِّ [1220] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/67).  .
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على اشتِراطِ التَّكليفِ (العَقلِ والبُلوغِ): ابنُ قُدامةَ [1221] قال ابنُ قُدامةَ: (أمَّا البُلوغُ والعَقلُ فلا خِلافَ في اعتِبارِهما في وُجوبِ الحَدِّ، وصِحَّةِ الإقرارِ). ((المغني)) (9/ 66). ، وشَمسُ الدِّينِ ابنُ قُدامةَ [1222] قال شَمسُ الدِّينِ ابنُ قُدامةَ: (أمَّا البُلوغُ والعَقلُ فلا خِلافَ في اعتِبارِهما في وُجوبِ الحَدِّ). ((الشرح الكبير)) (10/ 119). ، وبُرهانُ الدِّينِ ابنُ مُفلِحٍ [1223] قال بُرهانُ الدِّينِ ابنُ مُفلِحٍ: (لا يَجِبُ الحَدُّ إلَّا على بالِغٍ عاقِلٍ، ولا خِلافَ في اعتِبارِهما). ((المبدع)) (9/ 43). .
ونَقَل الإجماعَ على اشتِراطِ العَقلِ: ابنُ حَزمٍ [1224] قال ابنُ حَزمٍ: (ولا يُقامُ عليه -أي المَجنونِ- في حالِ عَقلِه كُلُّ حَدٍّ كان مِنه في حالِ جُنونِه، بلا خِلافٍ مِنَ الأُمَّةِ). ((المحلى)) (11/250). ، وابنُ عَبدِ البَرِّ [1225] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (وهذا إجماعٌ أنَّ المَجنونَ المَعتوهَ لا حَدَّ عليه، والقَلَمُ عنه مَرفوعٌ). ((التمهيد)) (23/ 120). ، والقاضي عِياضٌ [1226] قال القاضي عياضٌ: (أنَّ إقرارَ المَجنونِ في حالِ جُنونِه لا يَلزَمُ، وأنَّ الحُدودَ عنه حينَئِذٍ ساقِطةٌ، وهو مِمَّا أجمَعَ عليه العُلَماءُ). ((إكمال المعلم)) (5/ 510). ، والنَّوويُّ [1227] قال النَّوويُّ: (إقرارُ المَجنونِ باطِلٌ، وأنَّ الحُدودَ لا تَجِبُ عليه، وهذا كُلُّه مُجمَعٌ عليهـ). ((شرح النووي)) (11/ 193). .
ونَقَل الإجماعَ على اشتِراطِ البُلوغِ: ابنُ بَطَّالٍ [1228] قال ابنُ بَطَّالٍ: (أجمَعَ العُلَماءُ على أنَّ الاحتِلامَ في الرِّجالِ والحَيضَ في النِّساءِ هو البُلوغُ الذى تَلزَمُ به العِباداتُ والحُدودُ والاستِئذانُ وغَيرُهـ). ((شرح صحيح البخاري)) (8/49). ، وابنُ حَجَرٍ [1229] قال ابنُ حَجَرٍ: (أجمَعَ العُلَماءُ على أنَّ الاحتِلامَ في الرِّجالِ والنِّساءِ يَلزَمُ به العِباداتُ والحُدودُ وسائِرُ الأحكامِ). ((فتح الباري)) (5/ 277). .
ثالِثًا: أنَّ القَطعَ عُقوبةٌ تَستَدعي الجِنايةَ، وفِعلُ الصَّغيرِ والمَجنونِ لا يوصَفُ بالجِناياتِ؛ ولِهذا لم يَجِبْ عليهما سائِرُ الحُدودِ، وكذلك حَدُّ السَّرِقةِ [1230] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/67).  .
رابِعًا: أنَّه اذا سَقَطَ عنِ الصَّغيرِ والمَجنونِ التَّكليفُ في العِباداتِ والإثمُ في المَعاصي، فالحَدُّ المَبنيُّ على الدَّرءِ بالشُّبُهاتِ أَولى بالإسقاطِ [1231] يُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (10/ 119)، ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 365). .

انظر أيضا: