الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّاني: عُقوبةُ السَّارِقِ


عُقوبةُ السَّارِقِ قَطعُ يَدِه حدًّا.
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قال اللَّهُ تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة: 38] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الآيةِ دَليلٌ على وُجوبِ قَطعِ يَدِ السَّارِقِ لأنَّ الأمرَ للوُجوبِ [1199] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/ 103). ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (14/ 208، 323). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عائِشةَ -رَضِيَ اللهُ عنها- زَوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنَّ قُرَيشًا أهَمَّهم شَأنُ المَرأةِ التي سَرَقَت في عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في غَزوةِ الفتحِ، فقالوا: مَن يُكَلِّمُ فيها رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فقالوا: ومَن يَجتَرِئُ عليه إلَّا أُسامةُ بنُ زَيدٍ حِبُّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأُتِيَ بها رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكَلَّمَه فيها أُسامةُ بنُ زَيدٍ، فتَلَوَّن وَجهُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: أتشفَعُ في حَدٍّ مِن حُدودِ اللهِ؟ فقال لَه أُسامةُ: استَغفِرْ لي يا رَسولَ اللهِ، فلمَّا كان العَشيُّ قامَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فاختَطَبَ فأثنى على اللهِ بما هو أهلُه، ثُمَّ قال: أمَّا بَعدُ، فإنَّما أهلَكَ الذينَ مِن قَبلِكُم أنَّهم كانوا إذا سَرَقَ فيهمُ الشَّريفُ تَرَكوه، وإذا سَرَقَ فيهمُ الضَّعيفُ أقاموا عليه الحَدَّ، وإنِّي والذي نَفسي بيَدِه لو أنَّ فاطِمةَ بنتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَت لَقَطَعتُ يَدَها )) ثُمَّ أمَر بتلك المَرأةِ التي سَرَقَت فقُطِعَت يَدُها [1200] أخرجه البخاري (3475)، ومسلم (1688) واللفظ له .         
2- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقطَعُ السَّارِقَ في رُبُعِ دينارٍ فصاعِدًا )) [1201] أخرجه البخاري (6789)، ومسلم (1684) واللفظ له .
3- عن أبي هرَيرةَ، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال ((لَعنَ اللهُ السَّارِقَ؛ يَسرِقُ البَيضةَ فتُقطَعُ يَدُه، ويَسرِقُ الحَبلَ فتُقطَعُ يَدَه )) [1202] أخرجه البخاري (6783)، ومسلم (1687). .
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ [1203] ويوجَدُ اختِلافٌ في اشتِراطِ النِّصابِ وقَدرِه، قال النَّوويُّ: (أجمَعَ المُسلِمونَ على قَطعِ السَّارِقِ في الجُملةِ، وإنِ اختَلَفوا في فُروعٍ مِنهـ). ((شرح النووي على مسلم)) (11/181). وقال: (أجمَعَ العُلَماءُ على قَطعِ يَدِ السَّارِقِ كَما سَبَقَ، واختَلَفوا في اشتِراطِ النِّصابِ وقَدرِه، فقال أهلُ الظَّاهِرِ: لا يُشتَرَطُ نِصابٌ، بَل يُقطَعُ في القَليلِ والكَثيرِ، وبِه قال ابنُ بنتِ الشَّافِعيِّ مِن أصحابِنا، وحَكاه القاضي عياضٌ عنِ الحَسَنِ البَصريِّ، والخَوارِجِ، وأهلِ الظَّاهِرِ، واحتَجُّوا بعُمومِ قَولِه تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ولم يَخُصُّوا الآيةَ، وقال جَماهيرُ العُلَماءِ: ولا تُقطَعُ إلَّا في نِصابٍ). ((شرح النووي على مسلم)) (11/181).
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ [1204] قال ابنُ حَزمٍ: (فوجَبَ القَطعُ في السَّرِقةِ بنَصِّ القُرآنِ، ونَصِّ السُّنَّةِ، وإجماعِ الأُمَّةِ). ((المحلى)) (12/ 300). ، والنَّوويُّ [1205] قال النَّوويُّ: (أجمَعَ المُسلِمونَ على قَطعِ السَّارِقِ في الجُملةِ، وإنِ اختَلَفوا في فُروعٍ مِنهـ). ((شرح النووي على مسلم)) (11/181). ، وابنُ قُدامةَ [1206] قال ابنُ قُدامةَ: (أجمَعَ المُسلِمونَ على وُجوبِ قَطعِ السَّارِقِ في الجُملةِ). ((المغني)) (9/ 103). ، وابنُ مَودودٍ [1207] قال ابنُ مَودودٍ: (الأصلُ في وُجوبِ القَطعِ... وإجماعُ الأُمَّةِ). ((الاختيار)) (4/102-103). ، والعِراقيُّ [1208] قال العِراقيُّ: (وُجوبُ قَطعِ السَّارِقِ في الجُملةِ، وهو مُجمَعٌ عليهـ). ((طرح التثريب)) (8/ 23). ، والحِصْنيُّ [1209] قال الحِصْنيُّ: (وهيَ موجِبةٌ للقَطعِ بالكِتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ الأُمَّةِ). ((كفاية الأخيار)) (ص: 483). ، وبُرهانُ الدِّينِ ابنُ مُفلِحٍ [1210] قال بُرهانُ الدِّينِ ابنُ مُفلِحٍ: (بابُ القَطعِ في السَّرِقةِ، وهو ثابِتٌ بالإجماعِ). ((المبدع)) (7/428). .

انظر أيضا: