الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الأولى: تَأجيلُ حَدِّ الجَلدِ للمَريضِ الذي لا يُرجى بُرؤُه


لا يُؤَجَّلُ حَدُّ الجَلدِ للمَريضِ الذي لا يُرجى بُرؤُه، أو كان الجاني ضَعيفَ الخِلقةِ لا يَحتَمِلُ السِّياطَ [701] فإن كان يُخشى عليه السِّياطُ يُضرَبُ بغَيرِ السِّياطِ ضَربًا يُؤمَنُ مَعَه التَّلَفُ، كالقَضيبِ الصَّغيرِ، وشِمراخِ النَّخلِ. فإن خيفَ عليه جُمِع ضِغثٌ فيه مِائةُ شِمراخٍ فضُرِبَ به ضَربةً واحِدةً، ولا بُدَّ مِن وُصولِ كُلِّ شِمراخٍ إلى بَدَنِه. يُنظر: ((نهاية المحتاج)) للرملي (7/434)، ((الفتاوى الهندية)) (3 /147)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/82). والشِّمراخُ: هو الغُصنُ الذي عليه البُسرُ أوِ الرُّطَبُ. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (11/10)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/322). ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [702] ((المبسوط)) للسرخسي (9/ 100)، ((الفتاوى الهندية)) (3 / 147). ، والشَّافِعيَّةِ [703] ((فتح العزيز بشرح الوجيز)) للرافعي (11/158)، ((روضة الطالبين)) للنووي (10/100). ، والحَنابِلةِ [704] ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 82)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/ 164). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي أُمامةَ بنِ سَهلِ بنِ حُنَيفٍ أنَّه أخبَرَه بَعضُ أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الأنصارِ: ((أنَّه اشتَكى رجُلٌ منهم حتَّى أُضنِي [705] أُضنيَ: أي: أصابَه الضَّنى، وهو شِدَّةُ المَرَضِ وسوءُ الحالِ حتَّى يَنحَلَ بَدَنُه ويُهزَلَ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (3/336). ، فعاد جِلدةً على عَظمٍ، فدخلَت عليه جاريةٌ لبعضِهم، فهَشَّ لها، فَوقَع عليها، فلمَّا دخل عليه رجالُ قومِه يَعودونَه أخبَرهم بذلك، وقال: استَفْتوا لي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنِّي قد وقعْتُ على جاريةٍ دخلَت عليَّ، فذكَروا ذلك لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقالوا: ما رأينا بأحدٍ مِن النَّاسِ مِن الضُّرِّ مِثلَ الذي هو به، لو حملْناه إليك لتفسَّخَت عِظامُه، ما هو إلَّا جِلدٌ على عَظمٍ! فأمَر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يأخُذوا له مائةَ شِمراخٍ فيضرِبوه بها ضربةً واحدةً )) [706] أخرجه أبو داود (4472) واللفظ له، وابن الجارود في ((المنتقى)) (817)، والبيهقي (20055). صَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4472)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4472)، وذكَرَ ثبوتَه ابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/407). . وفي رِوايةٍ: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُتيَ بامرَأةٍ قد زَنَت فقال: مِمَّن؟ قالت: منَ المُقعَدِ الذي في حائِطِ سَعدٍ، فأرسَلَ إليه فأُتيَ به مَحمولًا، فوُضِعَ بَينَ يَدَيه فاعتَرَف، فدَعا رَسولُ اللهِ بإثكالٍ [707] الإثكالُ والعِثكالُ هو: الغُصنُ الكَبيرُ الذي يَكونُ عليه أغصانٌ صِغارٌ، ويُسَمَّى كُلُّ واحِدٍ مِن تلك الأغصانِ شِمراخًا. يُنظر: ((المفاتيح شرح المصابيح)) للمظهري (4/258)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (6/2346). فضَرَبَه، ورَحِمَه لزَمانَتِه وخَفَّف عنه )) [708] أخرجه النسائي (5412) واللفظ له، والبيهقي (17090). صَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (5412)، وقال ابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (5/460): حَسَنٌ أو صَحيحٌ. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أقامَ عليه الحَدَّ رَغمَ مَرَضِه، وراعى التَّخفيفَ فيه [709] يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (3/ 336). .
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ أُتيَ برَجُلٍ يَشرَبُ الخَمرَ وهو مَريضٌ، فقال: أقيموا عليه الحَدَّ؛ فإنِّي أخافُ أن يَموتَ [710] أخرجه مسدد كما في ((إتحاف الخيرة المهرة)) للبوصيري (4/257)، وابن حزم في ((المحلى)) (11/173) واللفظ له صَحَّح إسنادَه البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (4/257). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ هذا الأثَرُ على أنَّ حَدَّ الجَلدِ لا يُؤَجَّلُ للمَريضِ الذي لا يُرجى بُرؤُه؛ وذلك لأنَّ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه خَشيَ أن يَموتَ المَريضُ قَبلَ أن يُقامَ عليه الحَدُّ، فيَكونَ بذلك مُعَطِّلًا لَه [711] يُنظر: ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (12/ 87).  .
ثالِثًا: أنَّ الحَدَّ يَجِبُ على الفورِ، ولا يُؤَخَّرُ ما أوجَبَه اللهُ بغَيرِ حُجَّةٍ [712] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 82)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/ 164).  .
رابِعًا: أنَّ الجانيَ يَتَطَهَّرُ بالعُقوبةِ مَعَ إبقائِه على حَياتِه [713] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (9/ 100).  .

انظر أيضا: