الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: استِبدالُ الرَّجمِ بالقَتلِ بالسَّيفِ أوِ الرَّصاصِ ونَحوِهما


لا يَجوزُ استِبدالُ الرَّجمِ [594] الأصلُ في الرَّجمِ: أنَّه رَميٌ بالحِجارةِ. يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/ 493)، ((تاج العروس)) للزبيدي (32/219). وفي حَديثِ رَجمِ ماعِزٍ عِند مُسلِم (1694) قال أبو سَعيدٍ: ((فرميناه بالعظم والمدر والخزف)) قال النَّوويُّ: (هذا دَليلٌ لِما اتَّفقَ عليه العُلَماءُ أنَّ الرَّجمَ يَحصُلُ بالحَجَرِ أوِ المَدَرِ أوِ العِظامِ أوِ الخَزَفِ أوِ الخَشَبِ وغَيرِ ذلك مِمَّا يَحصُلُ به القَتلُ، ولا تَتَعَيَّنُ الأحجارُ). ((شرح النووي على مسلم)) (11/ 198). بالقَتلِ بالسَّيفِ أوِ الرَّصاصِ ونَحوِهما [595] ورَد سُؤالٌ على اللَّجنةِ الدَّائِمةِ: هَل يَجوزُ تَبديلُ رَجمِ الزَّاني المُحصَنِ بالحِجارةِ بالسَّيفِ، أو بإطلاقِ النَّارِ؟ فأجابَتِ اللَّجنةُ: (الواجِبُ رَجمُ الزَّاني المُحصَنِ المُكَلَّفِ حتَّى يَموتَ؛ اقتِداءً بسُنَّةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ حَيثُ ثَبَتَ عنه ذلك بقَولِه وفِعلِه وأمرِه؛ فقد رَجَمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ماعِزًا والجُهَنيَّةَ والغامِديَّةَ واليَهوديَّينِ... وعلى ذلك لا يَجوزُ استِبدالُ الرَّجمِ بالقَتلِ بالسَّيفِ، أو إطلاقِ النَّارِ عليه؛ لأنَّ الرَّجمَ أشَدُّ نَكالًا وتَغليظًا ورَدعًا عن فاحِشةِ الزِّنا الذي هو أعظَمُ ذَنبٍ بَعدَ الشِّركِ، وقَتلِ النَّفسِ التي حَرَّمَ اللهُ، ولأنَّ حَدَّ الزِّنا بالرَّجمِ للمُحصَنِ مِنَ الأُمورِ التَّوقيفيَّةِ التي لا مَجالَ للِاجتِهادِ والرَّأيِ فيها، ولو كان القَتلُ بالسَّيفِ أو إطلاقِ النَّارِ جائِزًا في حَقِّ الزَّاني المُحصَنِ لفَعله الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولبَيَّنه لأُمَّتِه، ولفَعَله صَحابَتُه مِن بَعدِه رَضِيَ اللهُ عنهم). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (22/49). وقال ابنُ القَيِّمِ: (وإنَّما شُرِعَ في حَقِّ الزَّاني المُحصَنِ القَتلُ بالحِجارةِ؛ ليَصِلَ الألَمُ إلى جَميعِ بَدَنِه، حَيثُ وصَلَت إليه اللَّذَّةُ بالحَرامِ. ولأنَّ تلك القِتلةَ أشنَعُ القِتلاتِ، والدَّاعي إلى الزِّنا داعٍ قَويٌّ في الطِّباعِ؛ فجُعِلَت غِلظةُ هذه العُقوبةِ في مُقابَلةِ قوَّةِ الدَّاعي، ولأنَّ في هذه العُقوبةِ تَذكيرًا بعُقوبةِ اللهِ لقَومِ لوطٍ بالرَّجمِ بالحِجارةِ على ارتِكابِ الفاحِشةِ). ((الصلاة)) (ص: 7). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ اليُهودَ جاؤوا إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذَكَروا له أنَّ رَجُلًا مِنهم وامرَأةً زَنيا، فقال لهم رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما تَجِدونَ في التَّوراةِ في شَأنِ الرَّجمِ؟ فقالوا: نَفضَحُهم ويُجلَدونَ، فقال عَبدُ اللَّهِ بنُ سَلامٍ: كذَبتُم، إنَّ فيها الرَّجمَ، فأتَوا بالتَّوراةِ فنَشَروها، فوَضَع أحَدُهم يَدَه على آيةِ الرَّجمِ، فقَرَأ ما قَبلَها وما بعدَها، فقال له عَبدُ اللَّهِ بنُ سَلامٍ: ارفَعْ يَدَك، فرَفعَ يَدَهُ فإذا فيها آيةُ الرَّجمِ! فقالوا: صَدَق يا مُحَمَّدُ، فيها آيةُ الرَّجمِ، فأمرَ بهما رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فرُجِما. قال عَبدُ اللَّهِ: فرَأيتُ الرَّجُلَ يَجنَأُ على المَرأةِ يَقيها الحِجارةَ)) [596] أخرجه البخاري (3635) واللَّفظُ له، ومسلم (1699). .
2- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أتى رَجُلٌ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو في المَسجِدِ، فناداه فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي زَنَيتُ، فأعرَضَ عنه، حتَّى رَدَّدَ عليه أربَعَ مَرَّاتٍ، فلمَّا شَهِدَ على نَفسِه أربَعَ شَهاداتٍ دَعاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: أبكِ جُنونٌ؟ قال: لا، قال: فهل أحصَنتَ؟ قال: نَعَم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اذهَبوا به فارجُموهـ)). قال ابنُ شِهابٍ: فأخبَرَني مَن سَمِعَ جابِرَ بنَ عَبدِ اللَّهِ يَقولُ: فكُنتُ فيمَن رَجَمَه، فرَجَمناه بالمُصَلَّى، فلَمَّا أذلَقَته الحِجارةُ هَرَبَ، فأدرَكناه بالحَرَّةِ فرَجَمناه [597] أخرجه البخاري (6815) واللَّفظُ له، ومسلم (1691). .      
وَجهُ الدَّلالةِ مِنَ الحَديثَينِ:
دَلَّ هذان الحَديثانِ على أنَّ القَتلَ الذي أمَرَ به النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في حَقِّ الزَّاني المُحصَنِ كان بالرَّجمِ، ولو كان القَتلُ بالسَّيفِ وغَيرِه جائِزًا لفَعَله الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولبَيَّنه لأُمَّتِه، ولفَعَله صَحابَتُه مِن بَعدِه رَضِيَ اللهُ عنهم [598] يُنظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الأولى)) (22/ 49).  .
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ [599] قال ابنُ حَزمٍ: (اتَّفقوا أنَّه لا يَجوزُ قَتلُه بغَيرِ الحِجارةِ). ((مراتب الإجماع)) (130). ، وابنُ القَطَّانِ [600] قال ابنُ القَطَّانِ: (اتَّفقوا أنَّه لا يَجوزُ قَتلُ المَرجومِ بغَيرِ الحِجارةِ). ((الإقناع في مسائل الإجماع)) (2/ 257). .
ثالِثًا: أنَّ المَقصودَ مِن حَدِّ المُحصَنِ التَّمثيلُ به وتَنكيلُه بالرَّجمِ، فالرَّجمُ أشَدُّ نَكالًا وتَغليظًا ورَدعًا عن فاحِشةِ الزِّنا الذي هو أعظَمُ ذَنبٍ بَعدَ الشِّركِ وقَتلِ النَّفسِ المَعصومةِ [601] يُنظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 99)، ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (22/49). .
رابِعًا: أنَّ حَدَّ الزِّنا بالرَّجمِ للمُحصَنِ مِنَ الأُمورِ التَّوقيفيَّةِ التي لا مَجالَ للِاجتِهادِ والرَّأيِ فيها [602] يُنظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الأولى)) (22/ 49).  .

انظر أيضا: