الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الأولى: اشتِراطُ أن يَكونَ المُقِرُّ عاقِلًا


يُشتَرَطُ أن يَكونَ المُقِرُّ بالزِّنا عاقِلًا.
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أتى رَجُلٌ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو في المَسجِدِ، فناداه فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي زَنَيتُ، فأعرَضَ عنه حتَّى رَدَّدَ عليه أربَعَ مَرَّاتٍ، فلَمَّا شَهدَ على نَفسِه أربَعَ شَهاداتٍ دَعاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: أبِكَ جُنونٌ؟ قال: لا، قال: فهَل أَحصَنتَ؟ قال: نَعَم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اذهَبوا به فارجُموه )) [512] أخرجه البخاري (6815) واللفظ له، ومسلم (1691). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الحَديثِ دَلالةٌ على اعتِبارِ العَقلِ فيمَن أقَرَّ بالزِّنا [513] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/ 66). .
2- عن عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه قال: ((رُفِع القَلَمُ عن ثَلاثةٍ؛ عنِ النَّائِمِ حتَّى يَستَيقِظَ، وعنِ الصَّبيِّ حتَّى يَحتَلِمَ، وعنِ المَجنونِ حتَّى يَعقِلَ )) [514] أخرجه من طرق: أبو داود (4403) واللفظ له، والترمذي (1423) بلفظ: (المَعتوهِ حتَّى يَعقِلَ)، وأخرجه أحمد (956) على الشَّكِّ: (المَعتوهِ أوِ المَجنونِ حتَّى يَعقِلَ). صَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4403)، وصَحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (1183 )، وحَسَّنه البخاري كما في ((العلل الكبير)) للترمذي (226)، وصَحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (2/197). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الحَديثِ دَلالةٌ على أنَّ المَجنونَ مَرفوعٌ عنه القَلَمُ، فلا حُكمَ لكَلامِه [515] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/66). .
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
أُتيَ عُمَرُ بمَجنونةٍ قد زَنَت، فاستَشارَ فيها أُناسًا، فأمَرَ بها عُمَرُ أن تُرجَمَ، فمُرَّ بها على عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فقال: ما شَأنُ هذه؟ قالوا: مَجنونةُ بَني فُلانٍ زَنَت، فأمَر بها عُمَرُ أن تُرجَمَ. قال: فقال: ارجِعوا بها. ثُمَّ أتاه، فقال: يا أميرَ المُؤمِنينَ، أمَا عَلِمتَ أنَّ القَلَمَ قد رُفِعَ عن ثَلاثةٍ؛ عنِ المَجنونِ حتَّى يَبرَأَ، وعنِ النَّائِمِ حتَّى يَستَيقِظَ، وعنِ الصَّبيِّ حتَّى يَعقِلَ؟ قال: بَلى، قال: فما بالُ هذه تُرجَمُ؟ قال: لا شَيءَ، قال: فأرسِلْها، قال: فأرسَلَها. قال: فجَعَلَ عُمَرُ يُكَبِّرُ [516] أخرجه من طرق: أبو داود (4399) واللفظ له، والشاشي في ((المسند)) (3/417). صَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4399)، والوادعي على شرط الشيخين في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (950)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4399). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ عُمَرَ لم يُقِمِ الحَدَّ عليها بَعدَما راجَعَه عليٌّ؛ لأنَّها مَجنونةٌ [517] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/66). .
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عَبدِ البَرِّ [518] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (وأمَّا الاعتِرافُ فهو الإقرارُ مِنَ البالِغِ العاقِلِ بالزِّنا صُراحًا لا كِنايةً، فإذا ثَبَتَ على إقرارِه ولم يَنزِعْ عنه، وكان مُحصَنًا، وجَبَ عليه الرَّجمُ، وإن كان بِكرًا جُلِد مِائةً، وهذا كُلُّه لا خِلافَ فيه بَينَ العُلَماءِ). ((الاستذكار)) (7/485). ، وابنُ قُدامةَ [519] قال ابنُ قُدامةَ: (أمَّا البُلوغُ والعَقلُ فلا خِلافَ في اعتِبارِهما في وُجوبِ الحَدِّ، وصِحَّةِ الإقرارِ). ((المغني)) (9/66). ، وابنُ القَطَّانِ [520] قال ابنُ القَطَّانِ: (وأمَّا الاعتِرافُ بالزِّنا فهو الإقرارُ بصريحِه مِنَ البالِغِ العاقِلِ، فإذا ثَبَتَ على الإقرارِ به وكان مُحصَنًا وجَبَ رَجمُه، وإن كان بِكرًا فجَلدُه، ولا خِلافَ في هذا كُلِّه، وأمَّا ظُهورُ الحَملِ بامرَأةٍ لا زَوجَ لَها يُعلَمُ، ففيه تَنازُعٌ). ((الإقناع)) (2/256-257). ، والنَّوويُّ [521] قال النَّوويُّ: (وفيه إشارةٌ إلى أنَّ إقرارَ المَجنونِ باطِلٌ، وأنَّ الحُدودَ لا تَجِبُ عليه، وهذا كُلُّه مُجمَعٌ عليهـ). ((شرح النووي على مسلم)) (11/193). .
رابِعًا: لأنَّ قَولَ الصَّبيِّ والمَجنونِ غَيرُ مُعتَبَرٍ أو غَيرُ مُوجِبٍ للحَدِّ [522] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (2/95). .

انظر أيضا: