موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الأوَّلُ: أسماءُ الأفعالِ


هي: ألفاظٌ نابت عن الأفعالِ معنًى واستعمالًا، وهي أسماءٌ بدليلِ قَبولِها لعلاماتِ الأسماءِ كالتنوينِ، ولأنَّها لا تَقبَلُ علاماتِ الأفعالِ، وليست على صورةِ الأفعالِ ولا وَزْنِها.
ومعنى استعمالِها استِعمالَ الأفعالِ أنَّها تأتي عاملةً لا معمولةً؛ ولهذا لا تَدخُلُ عليها العوامِلُ، ولا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
وتتنوَّعُ أسماءُ الأفعالِ في الدَّلالةِ على الزَّمَنِ، فأكثَرُ ما تأتي أن تَدُلَّ على الأمرِ، مِثلُ: (صه) بمعنى اسكُتْ، و(آمين) بمعنى استَجِبْ، و(تَيْدَ) بمعنى أمهِلْ، و(هَيْتَ) بمعنى أسرِعْ، و(حَيَّهَل): بمعنى عَجِّل، حيَّ: أقبِل.
تَقولُ: صهٍ يا أُسامةُ، اللَّهُمَّ آمين، وقَول المؤَذِّن: حيَّ على الفلاحِ.
وهذه الأسماءُ سماعيَّةٌ لا يقاسُ عليها غَيرُها، لكِنَّهم أتوا بوزن "فَعَالِ" تأتي منه بما تريدُ من أسماءِ الأفعالِ. تَقولُ: حَذَارِ، أي: احذَرْ، ونَزَالِ: انزِلْ، دَرَاكِ: أدرِك، تَرَاكِ: اترُكْ ...
ولا يأتي مِن غيرِ الثُّلاثيِّ؛ ولهذا شذَّ: "قَرْقَار" بمعنى قَرْقِر".
ويقلُّ مجيءُ تلك الأسماءِ للدَّلالةِ على الماضي؛ مِثْلُ: هَيْهاتَ، بمعنى: بَعُد، وشتَّانَ بمعنى افتَرَق وبعُد، سُرْعان: سَرُع، بُطآن: بَطُؤ.
تَقولُ: هيهاتَ النَّجاحُ للمُهمِلِ، سُرعانَ ما انقَضَت السُّنونَ، وبُطآنَ ما أدرَكْنا الآمالَ، شَتَّانَ عَمْرٌو وزيدٌ، ومنه قَولُه تعالى: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ [المؤمنون: 36] .
شتانَ: اسمُ فِعلٍ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ.
عمرو: فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
وزيد: معطوفٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
ويقال: شَتَّانَ بينَ عَمرٍو وزَيدٍ، وشَتَّانَ ما بين عَمرٍو وزيدٍ.
ويَقِلُّ أيضًا مجيءُ أسماءِ الأفعالِ للدَّلالةِ على زمَنِ الحالِ؛ مِثْلُ: (أُفٍّ) بمعنى: أتضجَّرُ، و(أَوَّه) بمعنى: أتوجَّعُ، و(وَي) و(وا) و(واهًا) بمعنى: أتعجَّبُ، كقَولِه تعالى: أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [الأنبياء: 67] ، وتَقولُ: أَوَّه من المرَضِ، أي: أتوجَّعُ من المرضِ.
وأكثَرُ ما تَدخُلُ كافُ الخِطابِ على (وَيْ)، كقَولِه تعالى: وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [القصص: 82] ، أي: أعجَبُ مِن عَدَمِ فَلاحِ الكافرينَ. ومنه قَولُ عَنترةَ العَبسيِّ:
ولقد شفى نَفْسي وأبرَأَ سُقْمَها
قِيلُ الفوارِسِ: وَيْكَ عَنتَرُ أقدِمِ
وقَولُ الرَّاجِزِ:
وَا بأبي أنْتِ وفُوكِ الأشْنَبُ
كأنما ذُرَّ عليه الزَّرنَبُ
أو زنجبيلٌ وهو عندي أطيَبُ
وقَولُ غَيرِه:
واهًا لسَلْمَى ثمَّ واهًا واها
هي المُنى لو أنَّنا نِلْنَاها
ونوعٌ آخَرُ من أسماءِ الأفعالِ، وهو ما كان في الأصلِ ظرفًا أو حرفَ جرٍّ، لكِنْ كَثُر استِعمالُه حتى صار مِثْلَ أسماءِ الأفعالِ الأصليَّةِ؛ مِثْلُ: (عليكَ) بمعنى: الزَمْ، كقَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ [المائدة: 105] ، ومِثْلُ: دُونَك وعندك ولَدَيك بمعنى: خُذْ. تَقولُ: دونَك القلمَ، أي: خُذِ القَلَمَ، وإليكَ بمعنى: تنحَّ. تَقولُ: إليك عَنِّي، ومكانك بمعن:ى اثبُتْ. تَقولُ: مكانَك لا تتقَدَّمْ، وراءك بمعنى: تأخَّر. تَقولُ: وراءَك حتى أُصلِحَ السَّيَّارةَ، أمامَك: تقَدَّم. تَقولُ: أمامَك حتى أوَّلِ الطَّريقِ.
ولا يُستعمَلُ هذا النوعُ إلَّا مضافًا إلى كاف المُخاطَبِ، وشذَّ: عَلَيَّ بمعنى: أَوْلِنِي، وإليَّ: أتنحَّى، وعليه: لِيَلزَمْ.
ونوعٌ ثالِثٌ يُستعمَلُ اسْمَ فِعلٍ تارةً ومَصْدَرًا أخرى، وهي "رُوَيدًا، بَلْهَ":
أمَّا (رُوَيدًا) فهي تصغيرٌ مِن المَصْدَر (إِرْوَاد) بمعنى الإمهالِ، وتأتي مَصْدَرًا تقَعُ مَوقِعَ الحالِ، كقَولِك: ساروا رويدًا، أو نائبةً عن المَصْدَرِ: رُوَيدًا زَيدًا. والدَّليلُ على أنَّها ليست باسمِ فِعلٍ هنا أنَّها مُعْرَبةٌ مُنَوَّنةٌ، وأسماءُ الأفعالِ مَبْنيَّةٌ، فتُعرَبُ هنا مفعولًا مُطْلَقًا لفِعلٍ مَحذوفٍ. وقد تقَعُ أيضًا نائبةً عن المَصْدَرِ غيرَ أنَّها تضافُ إلى المفعولِ. تَقولُ: رُوَيدَ زيدٍ. وإضافتُها دليلٌ على أنها ليست باسمِ فِعلٍ؛ إذ اسمُ الفِعْل يَعمَلُ عَمَلَ الفِعْلِ، ولا تَدخُلُ عليه العوامِلُ.
وتأتي اسمَ فِعلٍ في مِثْلِ قَولِك: رُوَيدَ زيدًا؛ فهي هنا اسمُ فِعلٍ، بدليلِ بنائِها، وعَمَلِها في المفعولِ بَعْدَها.
رويدَ: اسمُ فِعلُ أمرٍ بمعنى: أمهِل، مَبْنيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ.
زيدًا: مَفعولٌ به مَنصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
وأمَّا "بَلْهَ" فهو مَصْدَرٌ لفعلٍ مهجورٍ استخدامُه بمعنى "اترُكْ"، ويأتي مضافًا إلى المفعولِ. تَقولُ: بَلْهَ زيدٍ، كما تَقولُ: تَرْكَ زيدٍ، ويأتي ناصبًا للمفعولِ عاملًا عَمَلَ الفِعْلِ: بَلْهَ زيدًا.
وتعمَلُ أسماءُ الأفعالِ عَمَلَ الفِعْلِ، فترفعُ الفاعِلَ ظاهرًا كان أم مُضْمَرًا؛ فتَقولُ: شتَّانَ زيدٌ وخالدٌ، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
فهَيْهاتَ هَيْهاتَ العَقيقُ ومَن به
وهَيهاتَ خِلٌّ بالعَقيقِ نُواصِلُهْ
شتَّان: اسمُ فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ.
زيدٌ: فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
وخالد: معطوفٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
وتَرفَعُ المُضْمَرَ، مِثْلُ: حَذَارِ، صَهْ، حيَّ؛ فكما أنَّ فِعلَ الأمرِ يَرفَعُ فاعِلًا مُضْمَرًا وجوبًا إذا كان الفاعِلُ مُفرَدًا، فكذا اسمُ الفِعْل؛ فكما تَقولُ: احذَرْ، واسكُتْ، وأقبِلْ، ولا يجوزُ معها ذِكْرُ الفاعِلِ، ففي أسماءِ الأفعالِ التي تعمَلُ عمَلَها كذلك.
ولا يجوزُ تقديمُ المعمولِ على اسمِ الفِعْلِ، فإذا كان الفِعْلُ يجوزُ معه أن يتقدَّمَ عليه المفعولُ. تَقولُ: زيدًا أَدرِكْ، فإنَّ اسمَ الفِعْل لَمَّا كان شبيهًا بالفِعْل لا أصليًّا، فلم يعمَلْ عَمَلَ الفِعْل مع تأخيرِه.
وأسماءُ الأفعالِ منها ما هو مَعرِفةٌ، مِثلُ: "نَزالِ، بَلْهَ، آمينَ"، وبَعضُها نَكِرةٌ، مِثلُ: "واهًا، وي، وا"، وبعضُها يقبَلُ التعريفَ والتنكيرَ، فيجيء أحيانًا مَعرِفةً وأحيانًا نكرةً، وهي "صَهْ، مَهْ، أُف"؛ فإذا جاءت تلك الأسماءُ مُنونةً كانت نَكِرةً. تَقولُ: صهٍ، أي: اسكُتْ مُطْلَقًا عن أيِّ كلامٍ، ومهٍ: أي: اكفُفْ عن الفِعْلِ مُطْلَقًا، وأفٍّ: أتضَجَّرُ مِن كُلِّ شَيءٍ. وإذا جاءت بغيرِ تنوينٍ كانت معْرِفةً، تَقولُ: صهْ: أي اسكُتْ عن هذا الكلامِ بعَينِه، وإن تكَلَّمتَ في غَيرِه، وتَقولُ: مهْ: اكفُفْ عن هذا الفِعْلِ، وأُفِّ: أتضجَّرُ من هذا الشَّيءِ بعَيْنِه ينظر: ((أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك)) لابن هشام (4/ 78)، ((إرشاد السالك إلى حل ألفية ابن مالك)) لبرهان الدين ابن القيم (2/ 714). .

انظر أيضا: