موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ العاشِرُ: الشِّعْرُ التَّعْليميُّ


ازْدَهَرَتِ الحَياةُ العِلميَّةُ في الأنْدَلُسِ ازْدِهارًا عَظيمًا، شَجَّعَه الأُمَراءُ والخُلَفاءُ بتَشْجيعِ العُلَماءِ وطَلَبةِ العِلمِ ودَفْعِ الرَّواتِبِ والنَّفَقاتِ، واسْتِقدامِ العُلَماءِ والفُقَهاءِ إلى الأنْدَلُسِ، وإرْسالِ الوُفودِ لجَلْبِ الكُتُبِ وتَحْصيلِ العِلمِ إلى الأنْدَلُسِ.
وقدِ انْتَهى الأمْرُ أن كانَتْ المُنافَسةُ قائِمةً على أشُدِّها بَيْنَ المَشارِقةِ والأنْدَلُسيِّينَ، بَعْدَ أن كانَ أوَّلَ الأمْرِ لا يَعْدو أن يكونَ الأنْدَلُسيُّونَ طُلَّابًا لدى المَشارِقةِ، يَتَأثَّرونَ بهم ويَنهَلونَ مِن عُلومِهم.
وقدْ أدَّى الاهْتِمامُ بالعُلومِ وضَبْطِها وتَحْريرِها وإتْقانِ فَهْمِها إلى احْتِياجِ العُلَماءِ وطَلَبةِ العِلمِ إلى مُتونٍ تُسَهِّلُ ضَبْطَ مَبادِئِ العُلومِ ومَسائِلِها، وتُيَسِّرُ حِفْظَها ليَتَسنَّى للطَّلَبةِ تَثْبيتَ ما فَهِموا وضَبْطَه بالحِفْظِ. وقدِ اعْتَمَدَ الأنْدَلُسيُّونَ في ذلك على الشِّعْرِ؛ إذ نَظْمُه وطَريقةُ تَأليفِه سَهْلةٌ على الحِفْظِ والضَّبْطِ؛ ولِهذا فَشا فيهم تَأليفُ المَنْظوماتِ العِلميَّةِ، ولعلَّ أشْهَرَ ما نَظَمَه الأنْدَلُسيُّونَ -إن لم يكُنْ أشْهَرَ النَّظْمِ العِلميِّ مُطلَقًا- ألْفيَّةُ الإمامِ مُحمَّدِ بنِ عبْدِ اللهِ بنِ مالِكٍ الجَيَّانيِّ الطَّائِيِّ، الشَّهيرِ بابنِ مالِكٍ، في النَّحْوِ والصَّرْفِ، وكذلك ألْفيَّةُ الإمامِ أبي مُحمَّدٍ الشَّاطِبيِّ في القِراءاتِ، واسمُها: حِرْزُ الأماني ووَجْهُ التَّهاني في القِراءاتِ السَّبْعِ، المَشْهورةُ بالشَّاطِبيَّةِ في القِراءاتِ.
وكِلْتا المَنْظومتَينِ قد اعْتادَ النَّاسُ حِفْظَهما مِن زَمانِ الأنْدَلُسيِّينَ إلى وَقْتِنا هذا، ولم يَزَلِ العُلَماءُ يَنْسِجونَ على مِنْوالَيهما، ويَشْرَحونَ غَريبَهما، ويَذكُرونَ أحْكامَهما، ويَسْتَشْهِدونَ بأبْياتِهما.

انظر أيضا: