موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ السَّادِسُ: الفَخْرُ


لمَّا جاءَ الإسلامُ أرْسى في قُلوبِ أتْباعِه ونُفوسِهم أنَّه لا فَضْلَ لعَربيٍّ على أعْجَميٍّ، ولا أبْيَضَ على أسْوَدَ إلَّا بالتَّقْوى والعَمَلِ الصَّالِحِ، وقد قالَ اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13] ، وجَعَلَ النَّاسَ كُلَّهم مَرْتَبةً واحِدةً، يَفخَرونَ بالانْتِسابِ إلى الإسلامِ فحَسْبُ، كما قالَ جلَّ جَلالُه: وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ [الحج: 78] ، فلم يَعُدْ للفَخْرِ القَبَليِّ مَوضِعٌ ولا أهمِّيَّةٌ.
غيْرَ أنَّ البُعْدَ عن الدِّينِ الَّذي أصابَ النَّاسَ في العَصْرِ الأُمَويِّ، فَضْلًا عمَّا أثارَه الحُكَّامُ الأُمَوِيُّونَ أنْفُسُهم بَيْنَ النَّاسِ مِن التَّناحُرِ القَبَليِّ وإذْكاءِ العَصبيَّاتِ للتَّلاهي عن الحُكْمِ وقَضايا الخِلافةِ، كُلُّ هذه الأُمورِ أفْضَتْ إلى إحْياءِ شِعْرِ الفَخْرِ الشَّخْصيِّ والقَبَليِّ على حَدٍّ سواءٍ.
ومِن شِعْرِ الفَخْرِ قَوْلُ الفَرَزْدَقِ [453] ((ديوان الفَرَزْدَق)) (ص: 360). :
مِنَّا الَّذي اختيرَ الرِّجالَ سَماحةً
وخَيْرًا إذا هَبَّ الرِّياحُ الزَّعازِعُ
ومِنَّا الَّذي أَعْطى الرَّسولُ عَطِيَّةً
أُسارى تَميمٍ والعُيونُ دَوامِعُ
ومِنَّا الَّذي يُعْطي المِئينَ ويَشْتَري ال
غَوالي ويَعْلو فَضلُهُ مَن يُدافِعُ
ومِنًّا خَطيبٌ لا يُعابُ وحامِلٌ
أغَرُّ إذا التَفَّتْ عليهِ المَجامِعُ
ومِنَّا الَّذي أَحْيا الوَئيدَ وغالِبٌ
وعَمْرٌو ومِنَّا حاجِبٌ والأقارِعُ
ومِنَّا غَداةَ الرَّوْعِ فِتيانُ غارةٍ
إذا مَتَعَتْ تحتَ الزُّجاجِ الأشاجِعُ
ومِنَّا الَّذي قادَ الجِيادَ على الوَجا
لِنَجْرانَ حتَّى صَبَّحَتْها النَّزائِعُ
أولَئِكَ آبائي فَجِئْني بِمِثلِهم
إذا جَمَعَتْنا يا جَريرُ المَجامِعُ
وقولُ جَريرٍ:
إنَّ الَّذي حَرَمَ المَكارِمَ تَغْلِبًا
جَعَلَ النُّبوَّةَ والخِلافةَ فينا
هل تَملِكونَ مِن المَشاعِرِ مِشْعَرًا
أو تَشْهَدونَ معَ الأذانِ أذينا
مُضَرٌ أبي وأبو المُلوكِ فهلْ لكم
يا خُزْرَ تَغْلِبَ مِن أبٍ كأبينا
‌هذا ‌ابنُ ‌عَمِّي ‌في ‌دِمَشْقَ خَليفةً
لو شِئْتُ ساقَكمُ إليَّ قَطينا [454] ((شرح ديوان جَرير)) لمُحمَّد بن حَبيب (1/389).

انظر أيضا: