موسوعة اللغة العربية

الفَرْعُ الثاني: تمييزُ النِّسبةِ (تمييز الجُملة)


(وهو الذي يُزيلُ الغُموضَ والإبهامَ عن المعنى العامِّ بين طرَفَيِ الجُملة، وهو المعنى المنسوبُ فيها لشيءٍ من الأشياء) يُنظَر: ((النحو الوافي)) (2/ 418). .
وهو على قسمين: مُحَوَّل وغيرُ مُحَوَّل.
أولًا: تمييزُ النسبة المحوَّل:
وهو أنواعٌ:
الأوَّلُ: محوَّلٌ عن فاعِلٍ، كما في قَولِ الله تعالى: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا [مريم: 4] ؛ فالنسبةُ بين الاشتعالِ وبين الرأسِ مُبْهَمة؛ كيف اشتعل الرأسُ؟ أبالنَّارِ أم بالفِكرِ أم بغيرِهما؟ فلما تمَّت الآيةُ بقَولِه: شَيْبًا زال الإبهامُ واتَّضَح.
والأصلُ: اشتعل شيبُ الرأس، فحُوِّل الفاعِلُ إلى التمييز، وحلَّ المُضافُ إليه في الأصلِ محَلَّ الفاعِل. ومنه كذلك قَولُك: طاب زَيدٌ نفسًا؛ إذ أصلها: طابت نفسُ زيدٍ.
(واشتعل) فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ.
(الرأس) فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
(شيبًا) تمييزٌ منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
الثاني: محوَّلٌ عن المفعولِ: نحوُ قَولِ اللهِ تعالى: وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا [القمر: 12]، فالنسبةُ بين الفِعْل (فجَّرْنا) و(الأرض) نسبةٌ غامضةٌ تحتاج إلى ما يوضِّحُها ويرفَعُ إبهامها: لا ندري أفُجِّرَت بالبراكين أم بالمعادن، فإذا قُلْنا: (عيونًا) زال هذا الإبهامُ، وتحدَّد نوعُ التفجيرِ.
وهذا التمييزُ محوَّلٌ عن مفعولٍ؛ لأنَّ الأصلَ فيه: وفَجَّرْنا عيونَ الأرضِ، ومِثْلُه: غرَسْتُ الحديقةَ وردًا، قرأتُ الكتابَ أبوابًا.
الثَّالثُ: مُحوَّلٌ عن المُبتَدَأِ: وذلك بعد (أفعل) التفضيل، نحوُ قَولِ اللهِ تعالى: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا [الكهف: 34] ، وقولك: أنا أكثر منك تَجرِبةً، فالأصل: مالي أكثَرُ من مالك، نفري أعزُّ من نَفَرِك، تجربتي أكثَرُ من تجربتِك يُنظَر: ((شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو)) (1/ 625)، ((كشف النقاب عن مخدرات مليحة الإعراب)) للفاكهي (ص: 88). .
ثانيًا: تمييزُ نسبةٍ غيرُ مُحوَّل
وهو الذي ليس منقولًا عن شيءٍ، ويغلب أن يقعَ في أُسلوبَينِ إنشائيَّينِ:
1- أسلوبُ التعَجُّبِ في صيغتيه القياسيَّتين (ما أفعله، أفعِلْ به) مِثْلُ: ما أكرَمَك أبًا! وأكرِمْ بك أبًا! وسيأتي الحديثُ عن التعجُّبِ وصِيَغِه.
وقد يقعُ في عباراتٍ تعجبيَّةٍ متداولةٍ، مِثلُ: لله دَرُّك شاعرًا! ووَيْحَك رجُلًا! ويا لك أستاذًا! ويا حُسْنَها ليلةً!
(يا) أداةُ نداءٍ، حرف مَبْنيٌّ على السُّكونِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ
(حسنها) حُسْنَ: منادى منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ، وهو مضافٌ، و(ها): ضَميرٌ مَبْنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ جَرٍّ مُضافٌ إليه.
(ليلة) تمييز منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
والذي يدُلُّ أنَّ هذا التمييزَ غيرُ مُحوَّلٍ أنَّه يُجَرُّ بـ(مِن) أحيانًا، والتمييزُ المحوَّل لا يقبَلُ دُخولَ (مِن)، فنقول في الجمل السَّابقة: ما أكرَمَك مِن أبٍ! ولله دَرُّك من شاعرٍ!...
2- أسلوبُ المدحِ والذَّمِّ، نحوُ قَولِ اللهِ تعالى: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [الكهف: 50] .
(بِئْسَ) فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ لإنشاء الذَّمِّ، والفاعِلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ يفسِّره التمييزُ.
(لِلظَّالِمِينَ) اللام حَرفُ جَرٍّ، الظالمين: اسمٌ مَجرورٌ بحرف الجرِّ، وعَلامةُ جَرِّه الياء؛ لأنَّه جَمعُ مُذَكَّرٍ سالِمٌ، والجارُّ والمجرورُ متعَلِّقٌ بالفِعْل (بئس).
(بَدَلًا) تمييز منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
3- يأتي كذلك في مواضِعَ أخرى، مِثلُ: امتَلَأَ الإناءُ ماءً، ومنه قَولُه تعالى: وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا [الكهف: 18] ؛ فلا يقال: امتلأُ ماءُ الإناءِ، ولا امتلأَ الرعبُ منك يُنظَر: ((شرح شذور الذهب)) للجوجري (2/ 471). .

انظر أيضا: