موسوعة اللغة العربية

المَطلَبُ الرَّابِعُ: الأعْشى


هو: أبو بَصيرٍ، مَيْمونُ بنُ قَيْسِ بنِ جَنْدَلِ بنِ شَراحيلَ بنِ عَوْفِ بنِ سَعْدِ بنِ ضُبَيْعةَ بنِ قَيْسِ بنِ ثَعْلبةَ.
رابِعُ الثَّلاثةِ السَّابِقينَ في الطَّبَقةِ الأُولى مِن طَبَقاتِ فُحولِ الشُّعَراءِ [237] يُنظر: ((طبقات فحول الشعراء)) لابن سلام (1/ 52). ، وهو صَنَّاجةُ العَربِ.
اعْتادَ الأعْشى أن يَطوفَ المُدُنَ يَمدَحُ رُؤساءَها وأكابِرَها، فذَهَبَ إلى الحِيرةِ ومَدَحَ النُّعْمانَ بنَ المُنذِرِ وأخاه الأسْوَدَ، كما ذَهَبَ إلى نَجْرانَ وقَصَدَ حَضْرَمَوْتَ وكِنْدةَ واليَمَنَ، وفي كلِّها يَمدَحُ ويَتكسَّبُ مِن المَدْحِ.
وقد عاشَ الأعْشى حَياةَ المُجونِ والتَّرَفِ، يَتنقَّلُ بيْنَ الحاناتِ والقِيانِ، حتَّى زَوْجتُه الَّتي تَزوَّجَها لم يَسْتطعْ أن يَستَمِرَّ معَها، وأنْشَدَ فيها يقولُ:
يا جارتي بِيني فإنَّكِ طالِقَه
كذاكِ أُمورُ النَّاسِ غادٍ وطارِقَه
وفَدَ الأعْشى على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومدَحَه بقَصيدتِه الَّتي فيها:
ألَمْ تَغْتَمِضْ عَيْناك لَيلةَ أرْمَدا
وعادَكَ ما عادَ السَّليمَ المُسهَّدا
وما ذاك مِن عِشْقِ النِّساءِ وإنَّما
تَناسَيتَ قبْلَ اليَوْمِ خُلَّةَ مَهْدَدا
فآليْتُ لا أَرْثي لها مِن كَلالةٍ
ولا مِن حَفًى حتَّى تَزورَ مُحمَّدا
نَبيٌّ يَرى ما لا تَرَونَ وذِكْرُه
أغارَ لعَمْري في البِلادِ وأنْجَدا
متى ما تُناخي عنْدَ بابِ ابنِ هاشِمٍ
تُراحي وتَلْقَى مِن فَواضِلِه يَدا
فبلَغَ خبَرُه قُرَيشًا، فرَصَدوه على طَريقِه وقالوا: هذا صَنَّاجةُ العَربِ ما مَدَحَ أحَدًا قَطُّ إلَّا رَفَعَ قَدْرَه.
فلمَّا وَرَدَ عليهم قالوا له: أين أردْتَ يا أبا بَصيرٍ؟ قالَ: أردْتُ صاحِبَكم هذا لأُسلِمَ. قالوا: إنَّه يَنْهاك عن خِلالٍ ويُحرِّمُها عليك. قالَ: وما هي؟ فقالَ أبو سُفْيانَ بنُ حَرْبٍ: الزِّنا، قالَ: لقد تَرَكَني الزِّنا وتَرَكْتُه، ثُمَّ ماذا؟ قالوا: القِمارُ، قالَ: لَعَلِّي إن لَقيْتُه أن أُصِيبَ مِنه عِوَضًا مِن القِمار، ثُمَّ ماذا؟ قالوا: الرِّبا، قالَ: ما دِنْتُ ولا أُدِنْتُ، ثُمَّ ماذا؟ قالوا: الخَمْرُ، قالَ: أَوَّه! أرْجِعُ إلى صَبابةٍ قد بَقيَتْ في المِهراسِ فأشْرَبُها، قالَ له أبو سُفْيانَ: هل لك في خيْرٍ ممَّا همَمْتَ به؟ قالَ: وما هو؟ قالَ: نحن وهو الآنَ في هُدْنةٍ، فتَأخُذُ مِئةً مِن الإبِلِ، وتَرجِعُ إلى بلَدِك سنَتَك هذه، وتَنظُرُ ما يَصيرُ إليه أمْرُنا، فإنْ ظهَرْنا عليه كنْتَ قد أخَذْتَ خَلَفًا، وإن ظهَرَ علينا أتَيْتَه. فقالَ: ما أكْرَهُ ذلك، قالَ أبو سُفْيانَ: يا مَعشَرَ قُريْشٍ، هذا الأعْشى! واللهِ لئِنْ أتى مُحمَّدًا واتَّبَعَه ليُضْرِمنَّ عليكم نيرانَ العَربِ بشِعْرِه. فاجْمَعوا له مِئةً مِن الإبِلِ، ففَعلوا، فأخَذَها وانْطَلقَ إلى بَلَدِه، فلمَّا كانَ بقاعِ مَنْفوحةٍ رَمى به بَعيرُه فقَتَلَه [238] يُنظر: ((الشعر والشعراء)) لابن قتيبة (1/ 250)، ((الأغاني)) للأصفهاني (9/ 86). !
وقدِ اشْتَهرَ الأعْشى بالمُجونِ والغَزَلِ الصَّريحِ والقِصَصِ الماجِنةِ، كما ذَكَرْنا في مَوْضوعِ الغَزَلِ مِن مَوْضوعاتِ الشِّعْرِ الجاهِليِّ.
ومُعلَّقةُ الأعْشى سِتَّةٌ وسِتُّونَ بَيْتًا، بدَأَها بالغَزَلِ مُباشَرةً، بِلا ذِكْرٍ للأطْلالِ ونَحْوِها، بل تَغزَّلَ في مَحْبوبتِه هُرَيرةَ في أَكْثَرَ مِن عِشرينَ بَيْتًا، ثُمَّ انْتَقلَ إلى الوَصْفِ، فوَصَفَ السَّحابَ والمَطَرَ، والبَرْقَ والسَّيْلَ، وسُرْعةَ ناقتِه، ثُمَّ انْصَرفَ إلى اللَّهْوِ والمُجونِ، وأخيرًا إلى الفَخْرِ بنَفْسِه وقَوْمِه، وهِجاءِ وتَهْديدِ مُسهِرٍ الشَّيْبانيِّ.
ومَطلَعُ المُعلَّقةِ [239] ((ديوان الأعشى)) (ص: 55). :
وَدِّعْ هُرَيْرةَ إنَّ الرَّكْبَ مُرْتحِلُ
وهلْ تُطيقُ وَداعًا أيُّها الرَّجُلُ
غَرَّاءُ فَرْعاءُ مَصْقولٌ عَوارِضُها
تَمشي الهُوَيْنى كما يَمْشي الوَجِي الوَحِلُ
كأنَّ مِشْيتَها مِن بَيْتِ جارتِها
مَرُّ السَّحابةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ
تَسمَعُ لِلحَلْيِ وَسْواسًا إذا انْصَرَفتْ
كما اسْتَعانَ بِريحٍ عِشْرِقٌ زَجِلُ
ليسَتْ كمَن يَكرَهُ الجيرانُ طَلْعتَها
ولا تَراها لِسِرِّ الجارِ تَخْتَتِلُ
يَكادُ يَصْرَعُها لولا تَشَدُّدُها
إذا تَقومُ إلى جاراتِها الكَسَلُ
إذا تُعالِجُ قِرْنًا ساعةً فَتَرَتْ
واهتَزَّ مِنها ذَنوبُ المَتْنِ والكَفَلُ
مِلءُ الوِشاحِ وَصِفْرُ الدِّرْعِ بَهْكَنةٌ
إذا تَأتَّى يَكادُ الخَصْرُ يَنْخَزِلُ
صَدَّتْ هُرَيْرةُ عَنَّا ما تُكَلِّمُنا
جَهْلًا بأُمِّ خُلَيدٍ حَبْلَ مَن تَصِلُ
ومِنها قولُه:
وقدْ أَقودُ الصَّبا يَوْمًا فَيَتْبَعُني
وقدْ يُصاحِبُني ذو الشِّرَّةِ الغَزِلُ
وقدْ غَدَوْتُ إِلى الحانوتِ يَتْبَعُني
شاوٍ مِشَلٌّ شَلولٌ شُلشُلٌ شَوِلُ
في فِتيَةٍ كسُيوفِ الهِنْدِ قَد عَلِموا
أنْ ليسَ يَدفَعُ عَن ذي الحِيلةِ الحِيَلُ
نازَعْتُهُمْ قُضُبَ الرَّيْحانِ مُتَّكِئًا
وقَهْوةً مُزَّةً راوُوقُها خَضِلُ
لا يَسْتَفيقونَ مِنها وهْي راهِنةٌ
إِلَّا بِهاتِ وإِن عَلُّوا وإِن نَهِلوا
يَسْعى بِها ذو زُجاجاتٍ لَهُ نُطَفٌ
مُقَلِّصٌ أَسْفَلَ السِّرْبالِ مُعتَمِلُ
ومُسْتَجيبٍ تَخالُ الصَّنْجَ يُسمِعُهُ
إذا تُرَجِّعُ فيهِ القَيْنةُ الفُضُلُ
مِن كُلِّ ذلِك يَوْمٌ قد لَهَوْتُ بهِ
وفي التَّجارِبِ طولُ اللَّهْوِ والغَزَلُ

انظر أيضا: