موسوعة اللغة العربية

المَطلَبُ الثَّاني: زُهَيْرُ بنُ أبي سُلْمى


هو: زُهَيْرُ بنُ أبي سُلْمى رَبيعةُ بنُ رياحٍ المُزَنيُّ، مِن مُضَرَ: حَكيمُ الشُّعَراءِ في الجاهِليَّةِ، وُلِدَ في بِلادِ (مُزَينةَ) بنَواحي المَدينةِ، وكانَ يُقيمُ في الحاجِرِ (مِن ديارِ نَجْدٍ)، وُلِدَ في بَيْتٍ كلُّه شُعَراءُ؛ كانَ أبوه شاعِرًا، وخالُه شاعِرًا، وهو بَشامةُ بنُ الغَديرِ، وأخْتُه سُلْمى شاعِرةً، وابْناه كَعْبٌ وبُجَيرٌ شاعِرَينِ، وأخْتُه الخَنْساءُ شاعِرةً، وهي غيْرُ الخَنْساءِ الصَّحابيَّةِ والشَّاعِرةِ المَشْهورةِ، وزَوْجُ أمِّه كذلك شاعِرٌ، وهو أوْسُ بنُ حَجَرٍ، وقد كانَ زُهَيْرٌ راوِيةً لشِعْرِه.
اشْتَهرَ زُهَيْرُ بنُ أبي سلُمْى بتَحْبيرِ الشِّعْرِ وتَنْقيحِه وتَهْذيبِه، حتَّى إنَّه كانَ يُهَذِّبُ قَصيدتَه في قُرابةِ الحَوْلِ؛ ولِهذا كانَتْ قَصائِدُه تُسمَّى الحَوْليَّاتِ؛ ولِهذا كانَ الأصْمَعيُّ يَعيبُ عليه ذلِك، ويقولُ: زُهَيْرٌ والحُطَيئةُ وأشْباهُهما عَبيدُ الشِّعْرِ؛ لأنَّهم نَقَّحوه ولم يَذهَبوا به مَذهَبَ المَطْبوعينَ [220] يُنظر: ((الشعر والشعراء)) لابن قتيبة (1/ 144). .
وكانَ أَكْثَرُ الأُدَباءِ والعُلَماءِ يُقدِّمونَ زُهَيْرًا على امْرِئِ القَيْسِ وسائِرِ الشُّعَراءِ؛ قالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ لابنِ عبَّاسٍ: (أنْشِدْني لأشْعَرِ شُعَرائِكم. قلْتُ: مَن هو يا أميرَ المُؤْمنينَ؟ قالَ: زُهَيْرٌ. قيلَ: بمَ كانَ ذاك؟ قالَ: كانَ لا يُعاظِلُ بيْنَ الكَلامِ، ولا يَتَتبَّعُ حُوشيَّه، ولا يَمدَحُ الرَّجُلَ إلَّا بما فيه) [221] يُنظر: ((الشعر والشعراء)) لابن قتيبة (1/ 137)، ((العمدة في محاسن الشعر وآدابه)) لابن رشيق (1/ 98). .
وقالَ ثَعْلَبٌ وهو ممَّن ‌قدَّمَ ‌زُهَيْرًا: (كانَ أحْسَنَهم شِعْرًا، وأبْعَدَهم مِن سُخْفٍ، وأجْمَعَهم لكَثيرٍ في المَعنى في قَليلٍ مِن المَنطِقِ، وأشَدَّهم مُبالَغةً في المَدْحِ، وأَكْثَرَهم أمْثالًا في شِعْرِه) [222] ((طبقات فحول الشعراء)) لابن سلام (1/ 64)، ((خزانة الأدب)) لعبد القادر البغدادي (2/333). .
وذُكِرَ عنِ الأصْمَعيِّ أنَّه قالَ: كفاك مِن الشُّعَراءِ أرْبَعةٌ: زُهَيْرٌ إذا طَرِبَ، والنَّابِغةُ إذا رَهِبَ، والأعْشى إذا غَضِبَ، وعَنْتَرةُ إذا كَلِبَ [223] ((جمهرة أشعار العرب)) لأبي زيد القرشي (ص:70). .
قالَ عِكْرمةُ بنُ جَريرٍ: قلتُ لأبي: مَن أشْعَرُ النَّاسِ؟ قالَ: أجاهليَّةٌ أمْ إسلاميَّةٌ؟ قلْتُ: جاهليَّةٌ، قالَ: زُهَيْرٌ [224] ((الشعر والشعراء)) لابن قتيبة (1/138). .
وكانَ زُهَيْرُ يُؤمِنُ بالبَعْثِ والحِسابِ، ويَظهَرُ ذلِك في قولِه [225] ((ديوان زهير)) (ص: 68). :
فلا تَكتُمُنَّ اللهَ ما في نُفوسِكم
ليَخْفى ومَهْما يُكتَمِ اللهُ يَعلَمِ
يُؤخَّرْ فيُوضَعْ في كِتابٍ فيُدَّخَرْ
ليَوْمِ الحِسابِ أوْ يُعَجَّلْ فيُنقَمِ
وَلَمَّا سمِعَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه قولَ زُهَيْرٍ:
فإنَّ الحَقُّ مَقطَعُه ثَلاثٌ
يَمينٌ أو نِفَارٌ أو جَلاءُ
كانَ يَعجَبُ مِن هذا التَّقْسيمِ، وقالَ: لو أدْرَكْتُ زُهَيْرًا لوَلَّيْتُه القَضاءَ [226] يُنظر: ((الصناعتين: الكتابة والشعر)) لأبي هلال العسكري (ص: 342)، ((شرح قصيدة كعب بن زهير بانت سعاد)) لابن هشام (ص: 23). .
وكانَ زُهَيْرٌ قد أنْشَأَ قَصيدتَه تلك يَمدَحُ فيها صَنيعَ هَرِمِ بنِ سِنانَ، والحارِثِ بنِ عَوْفٍ، اللَّذَينِ تَحمَّلا دِيَاتِ القَتْلى في حَرْبِ داحِسَ والغَبْراءِ الَّتي نشَأَتْ بيْنَ عَبْسٍ وذُبْيانَ، لتَنْتهيَ بذلِك حَرْبٌ ضَروسٌ اسْتَمرَّتْ زَمنًا طَويلًا.
والمُعلَّقةُ تَقَعُ في تِسْعةٍ وخَمْسينَ بَيْتًا كما عنْدَ التَّبْريزيِّ، وفي اثْنَينِ وسِتِّينَ بَيْتًا عنْدَ الزَّوْزنيِّ، وهي مِن بَحْرِ الطَّويلِ، ورَوِيُّها حَرْفُ الميمِ. وتَشْتمِلُ المُعلَّقةُ على المُقدِّمةِ الطَّلَليَّةِ وما يَشمَلُها مِن البُكاءِ على الأطْلالِ، ووَصْفِ الرِّحلةِ، ونَحْوِ ذلِك، ثُمَّ مَدْحِ الرَّجُلَينِ والتَّشْديدِ على حُصَينِ بنِ ضَمْضَمٍ الَّذي أرادَ أن يَخفِرَ الصُّلْحَ، ثُمَّ اخْتَتمَ المُعلَّقةَ بأبْياتٍ في الحِكْمةِ.
ومَطلَعُ المُعلَّقةِ [227] ((ديوان زهير بن أبي سلمى)) (ص: 64). :
أمِن أُمِّ أَوْفى دِمْنَةٌ لم تَكَلَّمِ
بِحَوْمانةِ الدَّراجِ فالمُتَثَلَّمِ
دِيارٌ لها بالرَّقْمَتَينِ كأنَّها
مَراجيعُ وَشْمٍ في نَواشِرِ مِعْصَمِ
بِها العِينُ والآرامُ يَمْشينَ خِلفةً
وأطْلاؤُها يَنهَضْنَ مِن كلِّ مَجْثَمِ
وَقَفْتُ بِها مِن بَعْدِ عِشرينَ حِجَّةً
فَلأْيًا عَرَفْتُ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ
أَثافيَّ سُفْعًا في مُعَرَّسِ مِرجَلٍ
ونُؤيًا كجِذْمِ الحَوضِ لم يَتَثَلَّمِ
فلمَّا عَرَفْتُ الدَّارَ قُلْتُ لِرَبْعِها
ألَا انْعِمْ صَباحًا أيُّها الرَّبْعُ واسْلَمِ
ومِنها:
سَئِمْتُ تَكاليفَ الحَياةِ ومَن يَعِشْ
ثَمانينَ حَوْلًا لا أبَا لكَ يَسْأَمِ
وأعلَمُ ما في اليَوْمِ، والأمْسِ، قبْلَهُ
ولكِنَّني عنْ عِلمِ ما في غَدٍ عَمِ
رَأيْتُ المَنايا خَبْطَ عَشْواءَ مَن تُصِبْ
تُمِتْهُ ومَن تُخْطِئْ يُعمَّرْ فيَهرَمِ
ومَن لم يُصانِعْ في أمورٍ كَثيرةٍ
يُضَرَّسْ بأنْيابٍ ويُوطَأْ بمَنْسِمِ
وَمَن يَجعَلِ المَعْروفَ مِن دُونِ عِرْضِهِ
يَفِرْهُ، ومَن لا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشتَمِ
ومَن يَكُ ذا فَضْلٍ فيَبخَلْ بفَضْلِهِ
على قَوْمِهِ يُستَغْنَ عنهُ ويُذمَمِ
ومَن يُوفِ لا يُذمَمْ ومَن يُفْضِ قَلْبُهُ
إلى مُطمَئِنِّ البِرِّ لا يَتَجَمجَمِ
ومَن هابَ أسْبابَ المَنايا يَنَلْنَهُ
وإنْ يَرْقَ أسْبابَ السَّماءِ بسُلَّمِ
ومَن يَجعَلِ المَعْروفَ في غَيْرِ أهْلِهِ
يَكُنْ حَمْدُهُ ذَمًّا عليهِ ويَندَمِ
ومَن يَعْصِ أطْرافَ الزِّجاجِ فإنَّهُ
يُطيعُ العَوالي رُكِّبَتْ كُلَّ لَهذَمِ
ومَن لم يَذُدْ عنْ حَوْضِهِ بسِلاحِهِ
يُهدَّمْ ومَن لا يَظلِمِ النَّاسَ يُظلَمِ
ومَن يَغْترِبْ يَحسَبْ عَدُوًّا صَديقَهُ
ومَن لم يُكَرِّمْ نَفسَهُ لم يُكَرَّمِ
ومَهْما تكُنْ عنْدَ امْرِئٍ مِن خَليقةٍ
وإنْ خالَها تَخْفى على النَّاسِ تُعلَمِ [228] ((ديوان زهير بن أبي سلمى)) (ص: 64).

انظر أيضا: