موسوعة اللغة العربية

الفَصلُ الحادِيَ عَشَرَ: مُحَمَّد الخِضْر حُسَين (ت: 1377هـ)


مُحَمَّد الخِضْر بن الحُسَين بن عليِّ بنِ عُمَرَ الحَسَني التُّونُسي.
مَولِدُه:
وُلِد في نِفطة سَنةَ ثلاثٍ وتِسعينَ ومِائَتَينِ وألْفٍ مِن الهجرةِ (مِن بلادِ تُونُس).
شُيوخُه:
خالُه مُحَمَّد المكِّي بن عزُّوز، الشَّيخ سالِمُ بوحاجب
مَنزلِتَهُ ومَكانَتُه:
فَقِيهٌ، أَدِيبٌ وباحِثٌ، وعالِمٌ لُغَويٌّ، ومُصلِحٌ دِينيٌّ، ورائِدٌ مِن رُوَّادِ الوسَطيَّة والتَّجديدِ في القَرنِ الرَّابِعَ عَشَرَ الهِجْريِّ، وأحَدُ كِبارِ شُيوخِ الجامِعِ الأزهَرِ، من أصلٍ جزائريٍّ، يَقولُ الشِّعرَ، مِن أعضاءِ المَجْمَعَينِ العَرَبيَّينِ بدِمَشْقَ والقاهرةِ، ومِمَّن تولَّوا مَشيخةَ الأزهرِ.
تَخرَّجُ الشَّيخُ في الزَّيتونةِ، وألقَى دُروسًا في الجامِعِ في فُنونٍ مُختَلِفةٍ مُتَطَوِّعًا، وأنشَأ مِجَلَّةَ (السَّعادة العُظمَى)، ووَلِيَ قَضاءَ بنزرت، ثُمَّ استَعفى وعادَ إلَى التَّدريسِ بالزَّيتونة، وعَمِلَ في لَجْنةِ تَنظيمِ المَكتَبَتَينِ العَبدَليَّة والزَّيتونة، وكان مِن أعضاءِ (لَجْنةِ التَّاريخِ التُّونُسيِّ)، ثُمَّ انتَقَلَ إلَى مِصرَ ودَرَسَ في الأزهَرِ ونالَ الشَّهادةَ العالميَّة، وأنشَأ جَمعيَّةَ الهِداية الإسلاميَّة، وتَولَّى رِئاسَتَها وتَحريرَ مَجَلَّتِها، وتَرأَّسَ تَحريرَ مجَلَّة (نَورِ الإسلامِ) الأزهريَّة، ومجَلَّة (لِواءِ الإسلام)، ثُمَّ كان مِن (هيئة كِبارِ العُلماءِ)، وعُيِّن شَيخًا لِلأزهَرِ.
عَقيدتُه:
ظَهَر مِن مُؤَلَّفاتِ الشَّيخِ أنَّه كان أشعَرِيًّا، يَشهَدُ لهذا أنَّه وضع كتابًا سمَّاه: "صَفحةٌ مِن حياةِ أبي الحَسَنِ الأشعَريِّ"، وقد مهَّد في هذا الكتابِ بذِكرِ أصلِ المذاهِبِ العَقَديَّةِ، وما أحدَثَتْه كُتُبُ الفلاسِفةِ والمُلحِدينَ مِن بدعةِ الاعتِزالِ والقَولِ بالقَدَرِ ونَحوِ ذلك، إلى أن قال: ((سادت في القَرنِ الثَّالِثِ الآراءُ المُخالِفةُ لمذهَبِ السَّلَفِ، حتى ظهر أبو الحَسَنِ الأشعَريُّ، فأحسَنَ التعبيرَ عن مَذهَبِ أهلِ السُّنَّةِ، وانقَلَب عِلمُ الكلامِ إلى هيئةٍ غَيرِ هَيئتِه التي خلَعَها عليه المُعتَزِلةُ والمُرجِئةُ والمُشَبِّهةُ والقَدَريَّةُ، والذي يستطيعُ أن يجاهِدَ، فيَقلِبُ أممًا كثيرةً مِن وِجهةٍ إلى أُخرى، جديرٌ بأن يُعَدَّ في أعاظِمِ الرِّجالِ، فإذا عرَضْنا عليك صحيفةً مِن حياةِ أبي الحَسَنِ الأشعَريِّ، فإنَّما نَعرِضُ عليك شيئًا من سيرةِ رَجُلٍ كان له في إصلاحِ النُّفوسِ وتقويمِ العُقولِ جِهادٌ أيُّ جِهادٍ)) [776] ينظر: ((موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين)) (3/ 2/ 94). .
وقال: ((أهلُ السُّنَّةِ: يُطلَقُ هذا الاسمُ، ويرادُ منه: الأشعَريَّةُ والماتُريديَّةُ وأهلُ الحديثِ، وتجتَمِعُ هذه الفِرَقُ في أُصولٍ مِنَ العقائِدِ هي: أنَّ العالَمَ حادِثٌ، وأنَّه لا خالِقَ سِوى اللهِ، وأنَّ اللهَ قديمٌ متَّصِفٌ بالعِلمِ والقُدرةِ وسائِرِ صِفاتِ الجَلالِ، لا شَبيهَ له، ولا يحُلُّ في شَيءٍ، وأنَّه خالِقُ أفعالِ العِبادِ، وأنَّه مُريدٌ لجَميعِ الكائِناتِ، ومَرئيٌّ للمُؤمِنينَ في الآخِرةِ بلا انطِباعٍ ولا شُعاعٍ، ولا يجِبُ عليه شيءٌ، إن أثاب فبفَضْلِه، وإن عاقَبَ فبعَدْلِه، وله الزِّيادةُ والنُّقصانُ في مخلوقاتِه، وأنَّ المعادَ الجُسمانيَّ حَقٌّ، والصِّراطَ والمِيزانَ حَقٌّ، والشَّفاعةَ لأهلِ الكبائِرِ حَقٌّ، وخُلودَ أهلِ الجَنَّةِ في الجَنَّةِ كخُلودِ الكُفَّارِ في النَّارِ حَقٌّ)) [777] ينظر: ((موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين)) (4/ 2/ 180). .
وعندما تحدَّث عن أهلِ الحديثِ جَعَلهم مُفَوِّضةً، فقال: ((طريقةُ أهلِ الحديثِ أنَّ يتلَقَّوا العقائِدَ مِن الكِتابِ والسُّنَّةِ مُؤَيَّدةً بما أورده الشَّارعُ، أو نَبَّه له من الأدِلَّةِ القريبةِ المأخَذِ مِنَ العَقلِ، ويتمَسَّكون مِنَ العقائِدِ بما كان صريحًا، فإن عرَضَت لهم آيةٌ أو حديثٌ يخالِفُ بظاهِرِه العقائِدَ الصَّريحةَ؛ كالآياتِ والأحاديثِ التي تُوهِمُ بحَسَبِ ما يَظهَرُ مِن لَفْظِها التَّشبيهَ في الذَّاتِ أو الصِّفاتِ، اكتَفَوا بمعرفةِ أنَّ ظاهِرَه غَيرُ مُرادٍ، وترَكَوا الخَوضَ في معناه، ولم يتعَرَّضوا لتأويلِه.
ولا يتجاوزون في العقائِدِ ما جاء في الكِتابِ والسُّنَّةِ، فيُمسِكونَ عن الخَوضِ في كيفيَّاتِ تعَلُّقاتِ صِفاتِ اللهِ تعالى، وعن تعَدُّدِها واتِّحادِها في نَفْسِها))
[778] ينظر: ((موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين)) (4/ 2/ 186). .
وقال أيضًا: ((والمعروفُ بينَ أهلِ العِلمِ: أنَّ السَّلَفَ يَعُدُّونَ في المتشابِهِ ألفاظًا وارِدةً في الآياتِ والأحاديثِ تَدُلُّ بمقتضى استِعمالها العَربيِّ على صفاتٍ أو أفعالٍ يستحيلُ إضافتُها إليه تعالى؛ نحوُ قَولِه تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] )) [779] ينظر: ((موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين)) (2/ 1/ 51). .
تصانيفُه:
من تصانيفه: ((حياة اللُّغة العَرَبيَّة))، ((الخيال في الشِّعْر العَرَبي))، ((مناِهج الشَّرَف))، ((الدَّعوة إلى الإصلاح))، ((طائفة القاديانيَّة))، ((مدارك الشَّريعة الإسلاميَّة)).
وفاتُه:
تُوُفِّي بالقاهِرةِ في الثَّالثَ عشَرَ مِن شَهرِ رجَبٍ، سَنةَ سَبعٍ وسَبعينَ وثلاثِمائةٍ وألْفٍ مِن الهجرةِ [780] يُنظر: ((الأعلام)) للزركلي (6/ 113)، ((تراجم المؤلفين التونسيين) محمد محفوظ (2/ 126). .

انظر أيضا: