موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الأوَّلُ: قَرارُ التَّعْريبِ الأوَّلُ


كانَ مَوْضوعُ التَّعْريبِ مِن أوائِلِ المَوْضوعاتِ الَّتي ناقَشَها مَجمَعُ اللُّغةِ العربيَّةِ بالقاهرةِ إبَّانَ نَشْأتِه؛ فقدْ أصْدَرَ المَجمَعُ في جَلْستِه الحادِيةِ والثَّلاثينَ القَرارَ الآتيَ: (ويُجيزُ المَجمَعُ أن يُستَعْمَلَ بعضُ الألْفاظِ الأعْجَميَّةِ عنْدَ الضَّرورةِ على طَريقةِ العَرَبِ في تَعْريبِهم)، وقدْ شَرَحَ الشَّيْخُ أحْمَدُ الإسْكَنْدريُّ هذا القَرارَ؛ فذَكَرَ أنَّ كَلِمةَ "بعض" تَعْني أنَّ المُرادَ الألْفاظُ الفَنِّيَّةُ والعِلميَّةُ الَّتي يُعجَزُ عن إيجادِ مُقابِلٍ لها، ويُخرِجُ مِنه الألْفاظَ الأدَبيَّةَ والألْفاظَ ذاتَ المَعاني العادِيَّةِ، والمُرادُ بالعَرَبِ: العَرَبُ الَّذين يُحتَجُّ بكَلامِهم، ويُوثَقُ بعَربيَّتِهم، وهم عَربُ الأمْصارِ حتَّى نِهايةِ القَرْنِ الثَّاني الهِجْريِّ، وعَرَبُ البَدْوِ حتَّى أواسِطِ القَرْنِ الرَّابِعِ الهِجْريِّ.
وقد نُوقِشَ هذا القَرارُ ولم تَنجَحْ مُحاوَلةُ الأبِ أَنِسْتاس مارِي الكِرْمِلِيِّ الَّذي رأى عَدَمَ التَّقيُّدِ بقَيْدِ الضَّرورةِ، واحْتَجَّ لِذلك بأنَّ العَرَبَ عَرَّبَتْ كَلِماتٍ لها مُرادِفاتٌ في لُغتِهم، ولم تَنجَحْ مُحاوَلةُ عبْدِ القادِرِ المَغْربيِّ وعلي الجارِم في النَّصِّ -في القَرارِ- على أنَّ التَّعْريبَ أمْرٌ قِياسيٌّ، وأن يُتَوسَّعَ في مَفْهومِ العَربِ، حتَّى يَشمَلَ الكُتَّابَ والشُّعَراءَ العَبَّاسِيِّينَ، وقَبولَ الكَلِماتِ الدَّخيلةِ المُتَفشِّيةِ في لُغتِنا اليَوْميَّةِ، مِثلُ: صالون، وسينما، وغاز، وبَلَكون، وغيْرِ ذلك.
وقدْ أصْدَرَ المَجمَعُ قَرارَينِ آخَرَينِ يُكَمِّلانِ القَرارَ الأوَّلَ، وهما:
1- يُفضَّلُ اللَّفْظُ العَربيُّ على المُعرَّبِ القَديمِ إلَّا إذا اشْتَهرَ المُعرَّبُ.
2- يُنطَقُ بالاسمِ المُعرَّبِ على الصُّورةِ الَّتي نَطَقَتْ بها العَربُ.
وقدِ اسْتَمْسَكَ المَجمَعُ بقَراراتِه السَّابِقةِ وحَرَصَ على الالْتِزامِ بها فيما أخْرَجَه مِن مُصْطلَحاتٍ عِلميَّةٍ [329] يُنظر: ((التَّعْريب في القديم والحديث)) لمحمد حسن عبد العزيز (ص: 205، 206). .
أمَّا المجامعُ الأخرى فبعضُها يَتَّخِذُ قَراراتٍ بإجازةِ التَّعريبِ، وبعضُها الآخَرُ يُمارِسُ التَّعريبَ عَمليًّا؛ وهو ما يدُلُّ على إجازتِه له؛ فإنَّ مَجمَعَ بَغدادَ قدِ اتَّخَذ قَرارًا بإجازةِ التَّعريبِ ضِمنيًّا مِن خلالِ قرارهِ الآتي:
تَرى اللَّجنةُ أنْ يُراعى عندَ استعمالِ الألفاظِ الأعجميَّةِ ما يَأتي:
أ- يُرَجَّحُ أسهَلُ نُطقٍ في رسْمِ الألفاظِ المُعرَّبةِ عن اختلافِ نُطقِها باللُّغةِ الأعجميَّةِ.
ب- إحداثُ بعضِ التَّغييرِ في نُطقِ المصْطَلحِ المعرَّبِ ورَسمِه لِيَتَّسِقَ مع النُّطقِ العربيِّ.
أمَّا مَجْمَعا عَمَّانَ ودِمشقَ، فلم يُصدِرَا قَرارًا رسميًّا بإجازةِ التَّعريبِ، بل كان واضحًا في عَملِ المَجْمعَينِ ومُمارساتِهما العمَليَّةِ؛ فقدْ لَجَأ المَجْمَعانِ للتَّعريبِ عندَ صُعوبةِ إيجادِ المقابلِ العربيِّ للمُصطلَحِ الأجنبيِّ [330] يُنظر: ((دور مجامع اللغة في التعريب)) لإبراهيم الحاج يوسف (ص: 63، 64). .
وبَذا يُمكِنُ القولُ: إنَّ المجامعَ العربيَّةَ قد أجمَعَت على إجازةِ التَّعريبِ عندَ الضَّرورةِ - سواءٌ بقَرارتِها المكتوبةِ أو مُمارساتِها العمَليَّةِ - ثمَّ إنَّهم يَختلِفون في معنى "الضَّرورةِ".

انظر أيضا: