موسوعة اللغة العربية

المِطلَبُ الثَّاني: أسبابُ التَّضادِّ


للتَّضادِّ في العَرَبيَّةِ أسبابٌ عِدَّةٌ، أهمُّها:
1- أنَّ القبائِلَ العَرَبيَّةَ اختَلَفت مع بعضِها في استعمالِ الألفاظِ، كلَفظةِ (وثَبَ) المُستَعمَلةِ عِندَ حِمْيَرٍ بمَعنى: قَعَدَ، وعِندَ مُضَرَ بمَعنى: قَفَزَ، وكَلَفظةِ (السَّدْفةِ) التي تَعني عِندَ تَميمٍ: الظُّلمةَ، وعِندَ قيسٍ: الضَّوءَ.
2– أن ينتَقِلَ اللَّفظُ من المعنى الأصليِّ إلى معنًى مجازيٍّ؛ فاللَّفظُ قد يكونُ عِندَ قَومٍ موضوعًا على سبيلِ المعنى الحقيقيِّ، ثمَّ بَعدَ ذلك ينتَقِلُ إلى معنًى مجازيٍّ، سواءٌ عِندَهم أو عندَ غَيرِهم، وذلك يكونُ إمَّا للتَّفاؤُلِ، كإطلاقِ لَفظِ (البَصيرِ) على الأعمى، و(السَّليمِ) على المَلدوغِ، وإمَّا للتَّهكُّمِ، كإطلاقِ لَفظِ أبي البَيضاءِ على الأسودِ، وإمَّا لاجتِنابِ التَّلَفُّظِ بما يُكرَهُ، كتَسميةِ السَّيِّدِ والعَبدِ بالمَوْلى.
3- اتِّحادُ لَفظٍ مع آخَرَ مُضادٍّ، وذلك وَفقًا لقوانينِ التطَوُّرِ الصَّوتيِّ، مِثالُ ذلك: أقوى الرَّجُلُ فهو مُقْوٍ: إذا كان ذا قوَّةٍ، وأقوى فهو مُقْوٍ: إذا كان قَوِيَّ الظَّهرِ، وأقوى فهو مُقْوٍ: إذا ذَهبَ زادُه ونَفِدَ ما عِندَه، والأصلُ في مادَّةِ (قَوِيَ) هو ضِدُّ الضَّعفِ، فيُقالُ: قَوِيَ على الأمرِ: طاقَهُ، وقاواني فقَوَيْتُه، أي: غَلبَني فغلَبْتُه، وقاواه: أعطاه، وتَقاوى القَومُ المَتاعَ بينَهم: تَزايَدوا غايةَ ثَمنِه.
4- أنَّ اللَّفظَ في أصلِ وَضعِه يَدُلُّ على معنًى عامٍّ يشترِكُ في هذا المعنى الضِّدَّانِ، وقد ينسى بعضُهم من ناحيةِ هذا المعنى الجامِعِ، فيظُنُّ أنَّ الكَلِمةَ من قَبيلِ التَّضادِّ؛ فمن ذلك (الصَّريمُ)، يُقالُ للَّيلِ: صَريمٌ، وللنَّهارِ: صَريمٌ؛ لأنَّ اللَّيلَ يَنصَرِمُ منَ النَّهارِ، والنَّهارَ يَنصَرِمُ منَ اللَّيلِ، فأصلُ المَعنيَينِ من بابٍ واحِدٍ، وهو القَطْعُ.
5- اتِّفاقُ كَلِمتَينِ في صيغةٍ واحدةٍ من النَّاحيةِ الصَّرفيَّةِ، ومن ذلك كَلِمةُ (مُجتَثٍّ)، ومَعناها: الذي يَجتَثُّ الشَّيءَ، والذي يُجتَثُّ، وأصلُ اسمِ الفاعِل من (اجتَثَّ): (مُجتَثِثٌ)، وأصلُ اسمِ المَفعولِ: (مُجتَثَثٌ)، وقد نَشَأ اتِّحادَ اللَّفظَينِ -اسمِ الفاعِل والمَفعولِ- منَ الإدغامِ [297] يُنظر: ((الأضداد)) لابن الأنباري (ص: 8 - 12، 56)، ((الصاحبي)) لابن فارس (ص: 152)، ((المزهر)) للسيوطي (1/304- 316)، ((فقه اللغة)) لحاتم الضامن (ص: 75)، ((محاضرات في مادة فقه اللغة)) الطيب رزقي (ص: 17). .

انظر أيضا: