موسوعة اللغة العربية

المَبحَثُ الثَّاني: خَصائِصُ اللَّهَجاتِ العَربيَّةِ وبَعضُ مَظاهرِ اختِلافِها


من الخَصائِصِ المهمّة التي تُفرِّق بين اللَّهَجاتِ المتباينة:
1- على المُستَوى الصَّوتيِّ:
ويَكونُ في أصَواتِ الحُروفِ وكَيف تصدُر، مِثلُ: تخفيف الهمزِ أو تحقيقه، وكَذلك الإمالةُ والإبدالُ، فيُروَى أنَّ قَبيلةَ تَميمٍ تنطق الهمزةَ عَينًا، وتقول في فُزْت: فُزْد [105] يُنظر: ((الأصول في النحو)) لابن السراج (2/ 404)، ((الدر المصون في علوم الكتاب المكنون)) للسمين الحلبي (8/ 530). ، وتُعرَفُ كُلُّ قَبيلةٍ بالإبدال ويُروَى عنها، كالعَنعَنةِ، والفَحفَحةِ، والاستِنطاءِ والكَشَكشةِ [106] العَنْعَنةُ: في قيسٍ وتميمٍ، تجعَلُ الهمزةَ المبدوءَ بها عينًا، فيقولونَ في إِنَّك: عِنَّكَ، وفي أَسْلَم: عَسْلم. والفَحْفحةُ: فِي لغةِ هُذَيلٍ، يجعَلون الحاءَ عينًا. والاستِنطاءُ: لغةُ سعْدِ بنِ بكرٍ وهُذَيلٍ والأَزْدِ وَقيسٍ والأَنصارِ، يجعَلون العينَ السَّاكنةَ نونًا إذا جاورَت الطاءَ، كأَنْطى فِي أَعطى، وليس ذلك في كُلِّ الكَلِماتِ. والكَشْكَشةُ: فِي ربيعَة وَمُضَرَ، يَجعلون بَعدَ كافِ الخِطابِ فِي المؤنَّثِ شِينًا، فيقولون: رأَيتُكِش ومررتُ بكِش. أو يَقلِبون كافَ المخاطَبةِ المؤنَّثةِ شينًا، فيقولون: كتابُش وأبوش وأمُّش، وبها قُرئ: قَدْ جَعَلَ رَبُّشِ تَحتَشِ سَرِيًّا. يُنظر: ((سر صناعة الإعراب)) لابن جني (1/242)، ((لسان العرب)) لابن منظور (2/ 320)، ((الاقتراح في أصول النحو)) للسيوطي (ص: 154-155)، ((تاج العروس)، للزبيدي (1/ 22). ، وغَيرِها منَ اللَّهَجاتِ العديدة القبيحة [107] يُنظر: (في اللهجات العربية)) لإبراهيم أنيس (ص: 40) يشيرُ  إبراهيم أنيس في (ص: 40) إلى أنَّ الأشعارَ يجِبُ أن تخلوَ من العَجْعَجةِ والعَنْعَنةِ وغيرِها من الصِّفاتِ المحَلِّيَّةِ التي تخصُّ لهجةً من اللَّهَجاتِ؛ حتَّى لا يكونَ الشَّاعِرُ موضعًا للسُّخريةِ. ويذكُرُ إبراهيم أنيس في (ص: 16: 18) الفُروقَ التي توجَدُ بَينَ اللَّهَجاتِ، سواءٌ من النَّاحيةِ الصَّوتيَّةِ أو في بنيةِ الكَلِمةِ، ولكِنْ يجِبُ أن تكونَ الصِّفاتُ الخاصَّةُ التي مرجِعُها بِنيةُ الكَلِماتِ قليلةً؛ حتَّى لا تُجعَلَ اللَّهجةُ غريبةً على أخواتِها، وفي (ص: 19) يُلَخِّصُ نِقاطَ الفُروقِ الصَّوتيَّةِ التي تميِّزُ اللَّهَجاتِ، مِثلُ: الاختلافِ في مخرَجِ بعضِ الأصواتِ اللُّغَويَّةِ، والاختلافِ في مقياسِ  بعضِ أصواتِ اللِّينِ وغَيرِها. .
2- على المُستَوى الصَّرفيِّ:
وتَكونُ في تباين صياغةِ الأبِنْيةِ الصَّرفيَّةِ، مثل: اسمُ المَفعولِ منَ الثُّلاثيِّ المُعتَلِّ الوسَطِ بالياءِ؛ فالقياسُ حَذفُ الياءِ أو واوِ (مَفعولٍ) على خِلافٍ، فيُقالُ في: باعَ وخاطَ: مَبِيعٌ ومَخِيطٌ، لكنَّ قَبيلةَ تَميمٍ تُصوِّبه فيَقولونَ: مَبْيُوعٌ ومَخْيُوطٌ [108] يُنظر: ((شرح الكافية الشافية)) لابن مالك (4/ 2143)، ((شرح شافية ابن الحاجب)) لركن الدين الإستراباذي (2/ 797- 798)، ((اللهجات العربية في القراءات القرآنية)) لعبده الراجحي (ص: 39). ، كذلك قَولُ العَبَّاسِ بنِ مِرداسٍ [109] هو: العبَّاسُ بنُ مِرداسٍ السلمي يُخاطبُ كليبَ بنَ عييمةَ السلمي في قِصةٍ جرتْ بينهما، والمعيونُ: المصابُ بالعينِ، يُنظر: ((الأغاني)) للأصفهاني (5/ 43)، ((المقتضب)) للمبرد (1/ 102)، ((الخصائص)) لابن جني (1/ 262). :
قَدْ كَانَ قَوْمُكَ يَحْسَبُونَكَ سَيِّدًا
وَإخَالُ أنَّكَ سَيِّدٌ مَعْيُونُ
3- على المُستوى النَّحويِّ:
ويَكونُ في الإعرابِ والبِناءِ وباقي أبوابِ النَّحوِ، مثل: نَصْبُ أهل الحجاز لخَبَرِ ليس مُطلَقًا، رغم رفع بَني تَميمٍ له إذا اقتَرَنَ بـ (إلَّا) حَملًا لها على (ما)، وكَذلك تَقسيمُ النُّحاةِ لـ(ما) النَّافيةِ إلى حِجازيَّةٍ وتَميميَّةٍ، واختاروا أن يكون خَبَرُ (ما) مَنصوبًا عِندَ أهل الحجاز ومَرفوعًا عِندَ بَني تَميمٍ، واشتَرَطَ النّحويّون شُروطًا لنِصبِ خَبَرِ (ما) عِندَ الحِجازيِّين، كما هو مَعروف في كُتُبِ النَّحوِ [110] يُنظر: (في اللهجات العربية)) لإبراهيم أنيس (ص: 82، 83). .
4- على المُستَوى الدَّلاليِّ:
وتَكونُ فيما تُعبِّر عنه الكَلمةُ من مَعنًى في ذاتها، فتَتفَرَّد بَعضُ اللَّهَجاتِ بدَلالاتٍ تخصّها، وقد نَتج عن تَنَوُّعِ الدَّلالاتِ اللُّغَويَّةِ وُجودُ ظَواهرَ معروفة، مِثلُ: التَّرادُفِ والمُشتَرَكِ اللَّفظيِّ، كما رُوِيَ أنَّ أبا هريرةَ رَضيَ اللهُ عنه لم يُدرِك مَعنى كلمةِ "السِّكِّينِ" حين سمِعَها من رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (واللهِ إنْ سمِعتُ بالسِّكِّينِ قَطُّ إلَّا يومَئِذٍ، وما كُنَّا نَقولُ إلَّا المُدْيَةَ) [111] أخرجه البخاري (6769). .
لكن التباين في الدَّلالةِ قليل؛ فإنَّ اللَّهجةَ إذا تباينت مَعاني أغلبِ كَلماتِها، واتَّخَذَت أُسُسًا فريدةً في بنيةِ الكَلماتِ، والقَواعِدِ، لا تُعَدُّ حينَئِذٍ لهجةً، بَل لُغةً مُستَقِلَّةً [112] يُنظر: ((تاريخ آداب العرب)) للرافعي (1/ 90)، ((فقه اللغات العربية وخصائص العربية)) لخالد نعيم الشناوي (ص: 182- 183). .

انظر أيضا: