موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ السَّادسُ: لُزومُ ما لا يَلزَمُ


وهُو "أنْ يَلتزِمَ الشَّاعرُ قبلَ الرَّويِّ في الشِّعرِ، أوِ النَّاثِرُ قبلَ الفاصِلةِ في النَّثرِ؛ شيئًا يتِمُّ السَّجْعُ بدُونِه".
ويُسمَّى الإعْناتَ والإلْزامَ والتَّشديدَ.
فمنه قولُ الشَّاعِرِ: الطويل
سأشْكُرُ عَمْرًا إنْ تَراخَتْ مَنيَّتي
أياديَ لم تَمنُنْ وإنْ هي جلَّتِ
فتًى غيرُ مَحْجوبِ الغِنى عن صَديقِه
ولا مُظهِرِ الشَّكوى إذا النَّبلُ زلَّتِ
رأى خَلَّتي مِن حيثُ يَخْفى مَكانُها
فكانت قَذى عَينَيه حتَّى تَجلَّتِ
ففي تلك الأبْياتِ الْتَزم الشَّاعرُ حرْفَ اللَّامِ المُشدَّدِ المَفْتوحِ قبلَ التَّاءِ المَكْسورةِ، وهِي الرَّويُّ، ولو لم يُلزِمْ نفْسَه بتلك اللَّامِ لَما أساءَ.
وقولُ الشَّاعِرِ: البسيط
أصَالةُ الرَّأيِ صانَتْني عنِ الخَطَلِ
وحِليةُ الفَضْلِ زانَتْني لَدى العَطَلِ
فحرْفُ الرَّويِ اللَّامُ، وقد الْتَزم الشَّاعرُ حرْفَ الطَّاءِ المَفْتوحَ في المِصراعَينِ، معَ أنَّ ذلك غيرُ لازِمٍ.
وقولُ الآخَرِ: الطويل
عَصانيَ قوْمِي والرَّشادُ الَّذي بهِ
أَمَرْتُ ومَنْ يعْصِ المُجَرِّبَ يَنْدمِ
فصبْرًا بَني بكْرٍ على الموْتِ إنَّني
أرى عارِضًا يَنهَلُّ بالموْتِ والدَّمِ
حيثُ ألْزمَ نفْسَه بالدَّالِ قبلَ المِيمِ، وهِي غيرُ لازِمةٍ، ولو ترَكها لَما ضرَّه ذلك.
وقد ورَد في القُرآنِ الكَريمِ شيءٌ منه إلَّا أنَّه يَسيرٌ جدًّا؛ فمنه قولُه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ [الأعراف: 201-202] ؛ فقد رُوعي قبلَ الرَّاءِ في المَوضِعَينِ لُزومُ الصَّادِ المَكْسورةِ، على أنَّ الواوَ والنُّونَ لا يُحسَبانِ هنا.
ومنه قولُه أيضًا فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ [الضحى: 9-10] ؛ حيثُ الْتزَم بالهاءِ المَفْتوحةِ قبلَ الرَّاءِ، ولو جاء بكَلمةٍ مَكانَ "تَنْهر" مِثلُ: "تَزجُر" لَما ضرَّ الفاصِلةَ [482] ينظر: ((البديع في البديع)) لابن المعتز (ص: 175)، ((عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح)) لبهاء الدين السبكي (2/ 307). .

انظر أيضا: