موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الأوَّلُ: تَعْريفُ المُبالَغةِ


المُبالَغةُ هي: "أنْ يذكُرَ الشَّاعرُ حالًا مِنَ الأحْوالِ في شِعرٍ، لو وقَف عليها لأجْزأه ذلك في الغَرَضِ الَّذي قصَده، فلا يَقِفُ حتَّى يَزيدَ في مَعْنى ما ذكَره مِن تلك الحالِ ما يكونُ أبلَغَ فيما قصَد" .
أو: "أنْ تَبلُغَ بالمَعْنى أقْصَى غاياتِه، وأبعَدَ نِهاياتِه، ولا تَقْتصِرَ في العِبارةِ عنه على أدْنى مَنازِلِه وأقرَبِ مَراتِبِه" .
أو: "أن يُدَّعَى لوصْفٍ بلوغُه في الشِّدَّةِ أوِ الضَّعفِ حدًّا مُستحيلًا أو مُستبْعَدًا؛ لِئلَّا يُظَنَّ أنَّه غيرُ مُتَناهٍ في الشِّدَّةِ أوِ الضَّعفِ" .
وتتَّفقُ كلُّ تلك التَّعريفاتِ وغيرُها في أنَّ المُبالَغةَ الزِّيادةُ عنِ المَطْلوبِ والَّذي يَحصُلُ به تَمامُ المَعْنى، كقَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ [الحج: 1-2] ؛ فلو قال تعالى: "تَذهَلُ كلُّ أمٍّ عن ابْنِها" لكان كافيًا في بَيانِ المُرادِ، لكنْ عَبَّر بالمُرضِعةِ؛ لأنَّها أشْفَقُ على ولدِها؛ لمَعرفتِها بحاجَتِه إليها، وأشْغَفُ به؛ لقُرْبِه منْها ولُزومِها له، لا يُفارِقُها لَيلًا ولا نَهارًا، وعلى حسَبِ القُرْبِ تكونُ المَحبَّةُ والإلْفُ.
وقولِه تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً [النور: 39] ؛ فإنَّه سُبحانه لو قال: "يَحسَبُه الرَّائي ماءً" لكان كافِيًا أيضًا، لكنَّ المُبالَغةَ باسْتِخدامِ "الظَّمآنِ" أشدُّ وقْعًا وأعْظَمُ أثَرًا؛ فإنَّ حاجَةَ الظَّمآنِ إلى الماءِ أعظَمُ مِن حاجَةِ غيرِه.
ومنه قولُ الشَّاعرِ الوافر:
ونُكرِمُ جارَنا ما دام فينا
ونُتْبِعُه الكَرامةَ حيثُ مالَا
فإكْرامُ الجارِ حقٌّ مِن حُقوقِه، ومَكرُمةٌ يُحمَدون عليها، لكنَّ إكْرامَه بعدَ ذَهابِه عنهم أينما ذهَب مِنَ المُبالَغةِ .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظَر: ((نقد الشعر)) لقدامة بن جعفر (ص: 50).
  2. (2) يُنظَر: ((الصناعتين: الكتابة والشعر)) لأبي هلال العسكري (ص: 365).
  3. (3) يُنظَر: ((بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة)) لعبد المتعال الصعيدي (4/ 612).
  4. (4) ينظر: ((الصناعتين: الكتابة والشعر)) لأبي هلال العسكري (ص: 365)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حبنكة (2/ 450).