موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ العَاشر: الاسْتِخدامُ


وهُو: "ذِكْرُ لفظٍ مُشتركٍ بيْن مَعنيينِ يُرادُ به أحدُهما، ثمَّ يُعادُ عليه ضَميرٌ أو إشارةٌ بمعناه الآخرِ، أو يُعادُ عليه ضميرانِ يُرادُ بِثانِيهما غيرُ ما يُرادُ بأوَّلِهما".
ومنه قولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء: 43] ؛ فلفظُ "الصَّلاةِ" يَحْتمِلُ مَعْنيَينِ: الصَّلاةَ نفْسَها، ومَوضِعَ الصَّلاةِ، وقد اسْتخدَم القُرآنُ المَعْنيَينِ، فقال: حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ليدُلَّ على أنَّ المُرادَ فِعلُ الصَّلاةِ، وقال: إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ليدُلَّ على أنَّ المُرادَ مَكانُ الصَّلاةِ، وهُو المَسجِدُ.
ومنه قولُ البُحْتُريِّ: الكامل
فسقَى الغَضا والسَّاكِنِيهِ وإنْ هُمُو
شَبُّوهُ بينَ جَوانِحٍ وقُلُوبِ
فالغَضا يُرادُ به المَكانُ، ويُرادُ به الشَّجُرُ نفْسُه؛ فدلَّ على المَعْنى الأوَّلِ بقولِه: "والسَّاكنيه"، ودلَّ على المَعْنى الثَّاني بقولِه: "شبُّوهُ" أيْ: أوْقَدوه.
ومنه قولُ الشَّاعِر: الوافر
إذا نزَل السَّماءُ بأرْضِ قومٍ
رَعيْناه وإنْ كانوا غِضَابا
فكَلمةُ "السَّماءِ" تَحْتملُ هنا مَعْنيَينِ؛ المطَرَ والنَّباتَ، اسْتخدَمَ كَلمةَ "نزَل" ليدُلَّ على أنَّ المُرادَ هو المطَرُ، وأتى بكَلمةِ "رَعيْناه" ليدُلَّ على أنَّ المَقْصودَ هو النَّباتُ.
وقولُ أبي العَلاءِ المَعَريِّ: الخفيف
وفَقيهٍ أفْكارُهُ شِدْنَ للنُّعـ
مانِ ما لم يَشِدْهُ شِعْرُ زِيادِ
فكَلمةُ النُّعمانِ هنا تَحْتمِلُ أمرَينِ: النُّعمانَ بنَ المُنذِرِ المَلِكَ، والنُّعمانَ بنَ ثابِتٍ أبا حَنِيفَةَ الفَقيهَ، فاسْتخدَمَ كَلمةَ "فَقيهٍ" ليدُلَّ على أنَّ المُرادَ أبو حَنِيفَةَ، واسْتخدَم "شِعر زِيادِ" يُريدُ بزِيادٍ النَّابغةَ الذُّبيانيَّ، وكان كَثيَرَ المدْحِ للنُّعمانِ بنِ المُنذِرِ.
تَنْبيهٌ: يَتَّضِحُ مِن تَعريفِ الاسْتِخدامِ وشرْحِ شواهِدِه أنَّ بينَه وبينَ التَّوريةِ تقارُبًا؛ فكِلاهما له مَعْنيانِ، لكنَّ التَّوريةَ يُرادُ منها مَعْنًى واحِدٌ دُونَ الآخَرِ، والقَرينةُ الَّتي تَأتي فيها إنَّما تكونُ لواحِدٍ مِنَ المَعنيَينِ، أمَّا الاسْتِخدامُ فيُريدُ المَعْنيَين معًا، والقَرينةُ تدُلُّ على المَعنيَينِ معًا [402] ينظر: ((البديع في نقد الشعر)) لأسامة بن منقذ (ص: 82)، ((عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح)) لبهاء الدين السبكي (2/ 245). .

انظر أيضا: