موسوعة اللغة العربية

تمهيدٌ: الحَقيقةُ والمَجازُ


تَعْريفُ الحَقيقةِ والمَجازِ
الحَقيقةُ: اللَّفظُ المُسْتعمَلُ في ما وُضِع له، والمَجازُ: اسْتِعمالُ اللَّفظِ في غيرِ ما وُضِع له في اصْطِلاحِ التَّخاطُبِ لعَلاقةٍ، معَ قَرينةٍ مانِعةٍ مِن إرادةِ المَعْنى الوَضْعيِّ، والعَلاقةُ: هي المُناسَبةُ بَيْنَ المَعْنى الحَقيقيِّ والمَعْنى المَجازيِّ، قد تكونُ المُشابَهةَ بَيْنَ المَعْنيَينِ، وقد تكونُ غيرَها.
والمَجازُ مُشتَقٌّ مِن: جاز الشَّيءَ يَجوزُه: إذا تَعدَّاه، سُمِّي بذلك لأنَّه يَنقُلُ اللَّفظَ مِنَ المَعْنى الأصْليِّ إلى مَعْنًى آخَرَ.
فاسْتِعمالُ اللَّفظِ فيما وُضِع له كإطْلاقِ لفْظِ "غُراب، أسَد، غَزال" على الحَيواناتِ المَعْروفةِ، فهذه الإطْلاقاتُ حَقيقةٌ، أمَّا إنْ أطْلقتَها على غيرِ ذلك؛ كأنْ تُطلِقَ لفظَ الأسدِ على الرَّجلِ الشُّجاعِ، والغَزالِ على الفَتاةِ المُعْتدِلةِ القَوامِ، والغُرابِ على مَنْ يَتشاءَمُ النَّاسُ منه- كان مَجازًا؛ لعَلاقةِ المُشابَهةِ في الكلِّ [307] يُنظر: ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 249)، ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 246). .
وتَنقسِمُ الحقيقةُ إلى أقسامٍ مُختلِفةٍ بحسَبِ أصلِ ما وُضِعَ له اللَّفظُ، ويُقابِلُها في كلِّ قِسمٍ منها مَجازٌ:
- الحقيقةُ اللُّغويَّةُ: وهي استعمالُ اللَّفظِ في مَجالاتِ الاستعمالِ اللُّغويةِ العامَّةِ بمعناه الَّذي وُضِعَ له في اللُّغةِ؛ كإطلاقِ اليَدِ على العُضوِ المعروفِ مِن الإنسانِ، والأسدِ على الحيوانِ المعروفِ، ونحْوِ ذلك. ويُقابِلُه المجازُ اللُّغويُّ، وهو إطلاقُ اللَّفظِ على غيرِ ما وُضِع له في أصْلِ اللُّغةِ؛ كإطلاقِ اليدِ على النِّعمةِ والقُدرةِ، وتَسميةِ الشُّجاعِ أسَدًا.
- الحقيقةُ الشَّرعيَّةُ: وهي استعمالُ اللَّفظِ في مَجالاتِ استعمالِ الألفاظِ الشَّرعيَّةِ بمعناه الاصطلاحيِّ الشَّرعيِّ؛ كإطلاقِ الصَّلاةِ على الرُّكنِ الثَّاني مِن أركانِ الإسلامِ، وهي أفعالٌ مَخصوصةٌ تَبدَأُ بالتَّكبيرِ وتَنْتهي بالتَّسليمِ، وكذا إطلاقُ الزَّكاةِ على الرُّكنِ الثَّالثِ الَّذي هو بَذْلُ جُزءٍ مِن المالِ تَقرُّبًا إلى اللهِ بكَيفيَّةٍ مَخصوصةٍ لِمَصارفَ مَخصوصةٍ، وهكذا الصِّيامُ والحجُّ والتَّيمُّمُ ونحوُها. ويُقابِلُها المجازُ الشَّرعيُّ، وهو استعمالُ اللَّفظِ الشَّرعيِّ في مَجالِ الاستعمالِ الشَّرعيِّ بمعناها اللُّغويِّ غيرِ الشَّرعيِّ؛ كإطلاقِ الصَّلاةِ على الدُّعاءِ والزَّكاةِ على الطَّهارةِ، والصَّومِ على الامتناعِ، والحجِّ والتَّيمُّمِ على القصْدِ. فهذه الألفاظُ تُعَدُّ مَجازًا شَرعيًّا وإنْ كان حَقيقةً لُغويةً.
- الحقيقةُ في العُرفِ العامِّ: وهي استعمالُ اللَّفظِ في الكلامِ الجاري على ألْسِنةِ النَّاسِ بما اصطَلَحَ النَّاسُ عليه وإنْ خالَفَ المعنى اللُّغويَّ؛ كإطلاقِ لفظِ "الدَّابَّةِ" على الحيوانِ الَّذي يَمْشي على أربعٍ. ويُقابِلُها المجازُ العُرفيُّ العامُّ، وهو استعمالُ اللَّفظِ في الكلامِ الجاري على ألْسِنةِ النَّاسِ بما لم يَصطَلِحوا عليه، وإنْ وافقَ المعنى اللُّغويَّ، كإطلاقِ الدَّابَّةِ على كلِّ ما يَدِبُّ على الأرضِ مِن الإنسانِ والحيوانِ.
- الحقيقةُ في العُرفِ الخاصِّ: وهي استعمالُ اللَّفظِ في كَلامِ طائفةٍ مُعيَّنةٍ وَفْقَ استعمالِهم واصطلاحِهم؛ ففي عِلمِ النَّحوِ مثلًا ألْفاظُ: "الفاعلُ، المفعولُ، الرَّفعُ، النَّصبُ، الجرُّ" لها اصطلاحاتٌ وتَعريفاتٌ مُحدَّدةٌ، فإذا استَعمَلَها النَّحْويُّ وَفْقَ تلك الاصطلاحاتِ كانت حَقيقةً عُرفيَّةً خاصَّةً، وإنْ خالَفَ فيها إلى معنًى آخَرَ وإنْ كان مُوافِقًا للمعنى اللُّغويِّ كان مَجازًا عُرْفيًّا خاصًّا [308] يُنظَر: ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حبنكة (2/ 219). .

انظر أيضا: