موسوعة اللغة العربية

تمهيدٌ: علْمُ البَيانِ


تَعْريفُ علْمِ البَيانِ:
البَيانُ لُغةً: الكشْفُ والإيْضاحُ والظُّهورُ، يُقالُ: فُلانٌ أبيَنُ مِن فُلانٍ، أيْ: أوضَحُ منه كَلامًا، وبان الشَّيءُ: وضَح وظهَر [281] ينظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/ 328)، ((مختار الصحاح)) للرازي (ص: 43). .
واصْطلاحًا: هو علْمٌ يُعرَفُ به إيْرادُ المَعْنى الواحِدِ بطُرقٍ مُخْتلِفةٍ في وُضوحِ الدَّلالةِ العَقْليَّةِ عليه، معَ مُطابَقةِ كلٍّ منها مُقْتضَى الحالِ.
فالمَعْنى الواحِدُ تَسْتطيعُ أنْ تؤدِّيَه بأساليبَ مُخْتلِفةٍ، كلُّها بَليغةٌ فَصيحةٌ، لكنَّها تَخْتلِفُ حسَبَ وُضوحِ المَقْصودِ منها.
ولِهذا تَرى الضَّليعَ في هذا الفنِّ إذا أراد التَّعْبيرَ عمَّا يَخْتلِجُ في صدْرِه مِنَ المَعاني وجَد السَّبيلَ مُمهَّدًا، فيَختارُ ما هو ألْيَقُ بمَقصَدِه وأشْبَهُ بمَطلَبِه مِن فُنونِ القولِ وأساليبِ الكَلامِ، فإذا حثَّ همَّةَ الشُّجْعانِ على اقْتِحامِ غِمارِ الوَغى بهَرهم بساحِرِ بَيانِه وعَظيمِ إحْسانِه، فإنْ شاء شبَّهَهم بالأسُودِ، فقال: كأنَّكم أسُودٌ لها أنْيابٌ تَزأرُ، وإنْ شاء اسْتعارَ وقال: إنِّي أرَى هنا أسُودًا تَتحفَّزُ للكَرِّ والفَرِّ وتَثِبُ لاقْتِناصِ فرائِسِها، ولها شَهوةٌ إلى الأخْذِ بنَواصِيها وحَزِّ رُؤوسِها، وإنْ أراد كَنَّى عن مَقصَدِه وورَّى عن مُرادِه فقال: الْبَسوا لعَدوِّكم جِلْدَ النَّمِرِ، واقْلِبوا له ظهْرَ المِجَنِّ؛ فإنَّه قد ورِمَ أنْفُه عليكم وداسَكم تحتَ أقْدامِه.
ومَوْضوعُ هذا العلْمِ: الكَلامُ العَربيُّ مِن حيثُ دَلالتُه على المَعاني، هل هو حَقيقةٌ أم تَشْبيهٌ أم مَجازٌ أم كِنايةٌ.
وواضِعُه: أبو عُبَيدَةَ مَعْمَرُ بنُ المُثنَّى في كتابِه "مَجازُ القُرآنِ"، وتَبِعَه الجاحِظُ وابنُ المُعْتزِّ وابنُ قُدامَةَ وأبو هِلالٍ العَسْكريُّ. ثمَّ ما زال يَنْمو شيئًا فشيئًا حتَّى وصَل للإمامِ عبدِ القاهِرِ الجُرْجانيِّ فأحْكمَ أساسَه وشيَّد بُنيانَه.
وثَمَرتُه: الوُقوفُ على أسْرارِ كَلامِ العَربِ «مَنْثورِه ومَنْظومِه»، ومَعْرفةُ ما فيه من تَفاوُتٍ في فُنونِ الفَصاحَةِ، وتَبايُنٍ في دَرَجاتِ البَلاغَةِ، الَّتي يصِلُ بها إلى مَرْتبةِ إعْجازِ القُرآنِ الكَريمِ الَّذي حار الجِنُّ والإنْسُ في مُحاكاتِه، وعَجَزوا عنِ الإتْيانِ بمِثلِه.
ويَتناوَلُ هذا العلْمُ أبوابَ: التَّشْبيهِ، المَجازِ والاسْتِعارةِ، الكِنايةِ.
فاللَّفظُ إنِ اسْتُعملَ في مَعْناه المَوْضوعِ له يُسمَّى حَقيقةً، وإنِ اسْتُعمِلَ في غيرِه لعَلاقةٍ معَ قَرينَةٍ؛ فإمَّا ماِنعةٌ مِن إرادةِ المَعْنى الأصْليِّ فيُسمَّى مَجازًا، وإمَّا غيرُ مانِعةٍ فيُسمَّى كِنايةً، والمَجازُ إنْ كان لعَلاقةِ المُشابَهةِ يُسمَّى اسْتِعارةً، مُفْردًا كان أو مُركَّبًا، وإنْ كان لعَلاقةٍ غيرِ المُشابَهةِ، فإنْ كان مُفْردًا سُمِّي مَجازًا مُرْسَلًا، وإنْ كان مُركَّبًا قيل له: مَجازٌ مُركَّبٌ مُرسَلٌ. والاسْتِعارةُ مَبْنيَّةٌ على التَّشْبيهِ [282] ينظر: ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 216، 217)، ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 207 - 209، 211). .

انظر أيضا: