موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الثَّالثُ: القصْرُ باعْتِبارِ عِلْمِ المُخاطَبِ


يَنْقسِمُ القصْرُ باعْتِبارِ عِلمِ المُخاطَبِ إلى ثَلاثةِ أقْسامٍ:
1- قَصْرِ إفْرادٍ: وذلك إذا كان المُخاطَبُ يَعتقِدُ أنَّ المَقْصورَ عليه يَشترِكُ معَه غيرُه في الحكْمِ، كقَولِه تعالى: إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ [النساء: 171] ، فهذه الآيةُ خاطَبَ اللهُ بها النَّصارى الَّذين لا يُقِرُّونَ بالتَّوْحيدِ، ويَزعُمونَ أنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثةٍ؛ بدَليلِ قولِه قبلَها: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ [النساء: 171] . ومنه قولُك: إنَّما الشَّاعرُ زيدٌ؛ إذا كان المخاطَبُ يَعتقِدُ أنَّ عليًّا شاعرٌ كزَيدٍ، فقولُك هذا يَنفي اشتراكَ عليٍّ مع زَيدٍ في الشِّعرِ، وقولُك: ما خالدٌ إلَّا طَبيبٌ، إذا كان المخاطَب يَزعُمُ أنَّه يُحسِنُ أشياءَ أخرى غيرَ الطِّبِّ؛ كالتَّأليفِ والشِّعرِ والخَطابةِ ونحْوِها.
ويُشترَطُ في ذلك القصرِ ألَّا تَتنافى الصِّفتانِ؛ فإذا قلتُ: ما زَيدٌ إلَّا شاعرٌ، نفَيتُ بذلك عنه الكتابةَ والخطابةَ وما يُشبِهُها، لا أنْ يكونَ المقصودُ نفْيَ الإفحامِ عنه وعَدمِ القُدرةِ على قَولِ الشِّعرِ؛ فذلك يَحصُلُ بمُجرَّدِ قولِك: زيدٌ شاعرٌ، مِن غيرِ قَصرٍ.
2- قَصْرِ قلْبٍ: وذلك إذا كان المُخاطَبُ يَعتقِدُ عكْسَ المَعْنى الَّذي يُفيدُه القصْرُ، كما تقولُ: ما النَّبيُّ مُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا بشَرٌ، لمَنْ يَزعُمُ أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ملَكٌ مِنَ المَلائِكةِ وليس بشَرًا، وكقولِك: إنَّما زيدٌ شاعرٌ، لمَن اعتَقَد أنَّ زيدًا ناثرٌ لا شاعرٌ، وتقولُ: ما شاعرٌ إلَّا المُتنبِّي، لمَن اعتقَدَ أنَّ ابنَ الرُّوميِّ أشعَرُ منه.
ويُشترَطُ في ذلك النَّوعِ مِن القصرِ أنْ يَتحقَّقَ التَّنافي بيْن الصِّفتينِ؛ فإذا قلتَ: إنَّما زيدٌ قاعدًا، أردتَ نفْيَ القيامِ والاضطجاعِ عنه، لا أنْ تَنفِيَ عنه البياضَ والسَّوادَ والطُّولَ والقِصَرَ ونحْوَها ممَّا لا تَنافيَ بيْنه وبيْن القعودِ.
3- قصْرِ تَعْيينٍ: إذا كان المُخاطَبُ يَعتقِدُ انْحِصارَ المَقْصورِ عليه، ولكنَّه لا يُدرِكُ هذا المَقْصورَ عليه على وَجْهِ التَّحْديدِ، كقولِك: إنَّما شاعِرُ النِّيلِ حافِظُ إبْراهيمَ، لمَنْ يَشُكُّ في المُسمَّى بذلك: أهُو حافِظٌ أم شَوقي مَثلًا، وكقولِك لمَن تَردَّد في أيِّهما كريمُ العربِ: حاتمٌ الطائيُّ أم الخَنْساءُ: إنَّما الكريمُ حاتمٌ [261] ينظر: ((الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم)) لعصام الدين الحنفي (1/ 540)، ((حاشية الدسوقي على مختصر المعاني)) (1/ 15). .

انظر أيضا: