المَطْلَبُ الرَّابعُ: إبْدالُ الجِيمِ
لم تُبدَلِ الجِيمُ إلَّا مِنَ الياءِ، والسَّببُ في ذلك أنَّهما أُخْتانِ في الجَهْرِ والمَخْرَجِ (وسَطِ اللِّسانِ)، والفَرْقُ بينَ الجِيمِ والياءِ أنَّ الجِيمَ شديدةٌ، فإنْ كانتِ الياءُ مُشدَّدةً قرُبتْ منها، فيُبدِلون منها جِيمًا مُشدَّدةً، وإنْ كانتِ الياءُ مُخَفَّفةً أبدَلوا منها جِيمًا مُخَفَّفةً.
وأصْلُ إبْدالِ الجِيمِ مِنَ الياءِ إنَّما هُوَ في الوَقْفِ لا في الوَصْلِ؛ لأنَّهم كرِهوا الوَقْفَ على الياءِ لِخَفائِها، وشَبهِها بِالحَرَكةِ، والجِيمُ أبْيَنُ في الوَقْفِ مِنَ الياءِ؛ وذلك قولُهم: هذا تَمِيمِجْ؛ يُريدُون: تَمِيميٌّ، وهذا عَلِجْ، يُريدُون: عَلِيٌّ
، فإذا أُبدِلتِ الجِيمُ مِنَ الياءِ في غيرِ الوَقْفِ، فهُو مَحْمولٌ على الوَقْفِ
.
إبْدالُ الجِيمِ مِنَ الياءِ مُشدَّدةً كانت أو مُخَفَّفةً لا يُقاسُ عليه، والعِلَّةُ في ذلك أنَّه قَليلٌ وخارِجٌ عن نَظائِرِه
.
وابنُ عُصفورٍ وبعضُ المَغارِبةِ يَرَونَ أنَّ إبْدالَ الجِيمِ مِنَ الياءِ المُشَدَّدةِ مُطَّرِدٌ، وإبْدالُها مِنَ المُخَفَّفةِ مَوقوفٌ على السَّماعِ
.
ويَرَى ابنُ الحاجِبِ أنَّ إبْدالَ الجِيمِ مِنَ الياءِ المُشَدَّدةِ شاذٌّ، وإبْدالَها مِنَ الياءِ المُخَفَّفةِ أشَذُّ
.
على أنَّ إبْدالَ الجِيمِ في الياءِ المُشَدَّدةِ كَثيرٌ وإنْ كان غيرَ لازِمٍ، وإبْدالَها مِنَ المُخَفَّفةِ قَليلٌ؛ قال
ابنُ مالِكٍ: (والأكَثرُ كَونُ الياءِ المُبدَلِ منها الجِيمُ مُشدَّدةً)
.
إبْدالُ الجِيمِ مِنَ الياءِ المُشَدَّدةِ لُغةٌ نَسَبها الفرَّاءُ إلى طيِّئٍ، وذكَر أنَّ إبْدالَ الجِيمِ مِنَ الياءِ المُخَفَّفةِ خاصٌّ بِبَني دُبَيرٍ وبَني أَسَدٍ؛ يَقولون: هذا غُلامِجْ، وهذه دارِجْ، أيْ: غُلامي وداري، وذكَر
أبو عَمْرِو بنُ العَلاءِ إبْدالَ الجِيمِ مِنَ الياءِ المُخَفَّفةِ دُونَ تَقْييدٍ
، وابنُ السِّكِّيتِ
والأصْمَعيُّ
لم يُقيِّدا إبْدالَ الجِيمِ مِنَ الياءِ المُشَدَّدةِ.
هناك لُغةٌ تَختصُّ بِها قُضاعةُ تُسمَّى (عَجْعَجَةَ قُضاعةَ)، يَقلِبون الياءَ جِيمًا إذا كان قَبْلَ الياءِ حَرْفُ العَينِ؛ يقولون: هذا راعِجَّ خَرَجَ مَعِجْ، أيْ: هذا راعِيَّ خرج معِي
.
ومِنْ قَلْبِ الياءِ المُشَدَّدةِ جِيمًا ما ذكَره الأصْمعيُّ عن خَلَفٍ الأحْمَرِ أنَّ رَجُلًا مِن أهْلِ البادِيةِ أنشَده مِنَ الرَّجَز:
خالِي عُويفٌ وأبُو عَلِجِّ
المُطْعِمانِ اللَّحمَ بِالعَشِجِّ
وبِالغَداةِ فِلَقَ البَرْنِجِّ
يَقصِدُ: وأبُو عَليٍّ، وبِالعَشِيِّ، والبَرْنيِّ، والبَرْنيُّ مِن أجْودِ أنْواعِ التَّمرِ
.
وقد ذكَر
أبُو عَمْرِو بنُ العَلاءِ أنَّه لقِي أعْرابيًّا فقال له: مِمَّن أنتَ؟ قال: فُقَيمجٌّ، فقال له: مِن أيِّهم؟ فقال: مُرِّجٌّ، يَقصِدُ أنه: فُقَيميٌّ، ومُرِّيٌّ
.
ومن أمْثلَةِ إبْدالِ الجِيمِ مِنَ الياءِ المُخَفَّفةِ:
قَولُ الشَّاعرِ مِنَ الرَّجَز:
لاهُمَّ إنْ كُنتَ قبِلْتَ حَجَّتِجْ
فلا يزالُ شاحِجٌ يأتِيك بِجْ
أقْمَرُ نَهَّاتٌ يُنَزِّي وَفرَتِجْ
والأصْلُ: حَجَّتي، ويأتيك بي، ويُنَزِّي وَفرَتِي.
ومِن ذلك أيضًا مِنَ الرَّجَز:
حَتَّى إذا ما أمْسَجَتْ وأمْسَجا
والأصْلُ: أمْسَيَتْ وأمْسَيَا، أُبدِلتِ الجِيمُ مِنَ الألِفِ، وإنْ كانت لا تُبدَلُ مِنَ الألِفِ؛ لأنَّ الألِفَ بدَلٌ مِنَ الياءِ، فأُبدِلتْ مِنَ الألِفِ كما أُبدِلَتْ مِنَ الياءِ، و
ابنُ الحاجِبِ يَرَى أنَّ الإبْدالَ هُنا أشذُّ مِنَ الياءِ المُخَفَّفةِ والمُشَدَّدةِ؛ لأنَّ الإبْدالَ إنَّما يكونُ في الوَقْفِ لِبَيانِ الياءِ، والياءُ هنا ليس بِمَوقوفٍ عليها
.
تُبدَلُ الجِيمُ مِنَ الياءِ في قولِهم: لا أفْعلُ ذلك جَدَا الدَّهرِ، أيْ: يَدَا الدَّهرِ
.