المَطْلَبُ الأوَّلُ: إبْدالُ الهَمْزةِ
إبْدالُ الهَمْزةِ مِنَ الهاءِأُبدِلَتِ الهَمْزةُ مِنَ الهاءِ في (ماء) وأصْلُها: مَوَهٌ، والدَّليلُ على ذلك أنَّهم قالوا: أمْوَاه في الجَمْعِ، وفي التَّصغيرِ: مُوَيْه، قُلِبتِ الواوُ ألِفًا لتَحرُّكِها وانْفِتاحِ ما قبلَها، ثُمَّ قلَبوا الهاءَ ألِفًا لتَطرُّفِها وخَفائِها تَشبيهًا لها بحُروفِ اللِّينِ والمَدِّ، ثُمَّ قلَبوها هَمْزةً تَخلُّصًا مِنِ الْتقاءِ السَّاكِنينِ؛ قال الرَّضيُّ: (قولُه: "وماء شاذُّ": هو شاذٌّ لكنَّه لازِمٌ)
.
أبدَلوا الهَمْزةَ مِنَ الهاءِ في (شاء) جَمْعُ شاة، والأصْلُ في (شاة): شَوْهَة، على وَزْنِ (فَعْلَة)، أسْقَطوا الهاءَ (شَوة)، ثُمَّ انْفتَحتِ الواوُ لِمُجاورةِ تاءِ التَّأنِيثِ، فقُلِبَتْ ألِفًا لتَحرُّكِها وانْفِتاحِ ما قبلَها (شاة)، فلمَّا جُمِعتْ بِطرْحِ تاءِ التَّأنِيثِ كما في: تَمْر وتَمْرة، بقِي الاسمُ على حرْفينِ، فأعادوا الهاءَ المَحذوفةَ، ثُمَّ أبدلوا الهَمْزةَ مِنَ الهاءِ.
أُبدِلت الهَمْزةُ مِنَ الهاءِ في (آل)، وأصْلُها: أهْل، أُبدِلتِ الهَمْزةُ مِنَ الهاءِ: (أَأْل)، ثُمَّ قُلِبتْ الهَمْزةُ ألِفًا، فَقيل: آل، والدَّليلُ على أنَّ (آل) أصْلُها أهْل بِالهاءِ، تَصغيرُهم لَها على (أُهَيل)، وقولُهم في الإضافةِ إلى الضَّميرِ: أهْلُك، وأهْلُه، ولم يقولوا: آلُك، وآلُه إلَّا على قِلَّةٍ كقولِ عبدِ المُطَلِّبِ مِنَ الكامِلِ:
وانْصُرْ على آلِ الصَّليــــــ
ـبِ وعابِدِيه اليَومَ آلَكْ
وذهَب
الكِسائيُّ إلى أنَّ أصْلَ (آل): أَوْل، فقد نَقَل
الكِسائيُّ أنَّ تَصغيرَ "آل": أُوَيل، ووافَقه يُونُسُ على تَصغيرِه على "أُوَيل"
.
فَائِدةٌ:في كلمتي (ماء) و(شاء) إعْلالان: إعْلالٌ بِقَلْبِ العَينِ ألِفًا، وإعْلالٌ بِقَلْبِ اللَّامِ هَمْزةً، وهُو شاذٌّ لا يُقاسُ عليه؛ لأنَّ الجَمْعَ بينَ إعْلالينِ مَحْظورٌ في حُروفِ المَدِّ واللِّينِ؛ لكَثْرةِ اعْتلالِهنَّ وتَغيُّرِهنَّ
.
تَنبيهانِ:قولُهم: تُدْرأٌ وتُدرَهٌ لِمَنْ يُدافِعُ عن قومِه، فلا إبْدالَ فيها، بلِ الهَمْزةُ والهاءُ أصْلانِ، والدَّليلُ أنَّ تَصاريفَ الكَلِمةِ جاءت على الاثْنينِ، تقولُ: دَرَأه، ودَرَهَه، ومَدْرَأ ومَدْرَهٌ، وهُو ما عليه ابنُ عُصفورٍ
، ورأى
أبو حيَّانَ أنَّ الهَمْزةَ هي الأصْلُ؛ لسُقوطِ الهاءِ في بعضِ تَصاريفِ الكَلِمةِ
.
لم يذكُرْ
سِيبَوَيهِ أنَّ الهَمْزةَ تُبدَلُ مِنَ الهاءِ
.
إبْدالُ الهَمْزةِ مِنَ العَينِلم يأتِ ذلك إلَّا في لفْظٍ واحِدٍ: أُباب، وأصْلُه: عُباب، كقولِه مِنَ الرَّجَز:
أُبابُ بَحْرٍ ضاحِكٍ زَهوقِ
و
ابنُ جِنِّي يَرَى أنَّه ليس إبْدالًا، إنَّما أُباب مِن أبَّ: إذا تهيَّأ؛ لأنَّ البَحْرَ يَتهيَّأ لِلمَوجِ، ومَنْ قال بإبْدالِ الهَمْزةِ مِنَ العَينِ، قال بِذلك لِقُربِ المَخْرجِ، وقال
ابنُ جِنِّي: (وإن قلتَ: إنَّها بَدَلٌ منها، فهُو وجْهٌ، وليس بِالقَوِيِّ)
.