موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الثَّالِثُ: عَلاماتُ الإِبْدالِ


يُعرَفُ الإبْدالُ في الكَلِمةِ بِعَلاماتٍ؛ منها:
أمْثِلَةُ الاشْتِقاقِ:
مِثْلُ: كَلِمةِ تُراث، فإنَّ أمْثلَةَ اشْتقاقِه: وَرِثَ يَرِثُ، وَارِثٌ، مَوْرُوثٌ، جَميعُها مُشتَقَّةٌ مِنَ الوِراثةِ، فدلَّ على أنَّ أصْلَها: وِرَاث، وأنَّ التَّاءَ بَدَلٌ مِن الواوِ، وكذلك في أُجُوهٍ، أمْثِلَةُ اشْتقاقِه: تَوجُّه، مُواجَهة، وَجِيه، مُشْتقَّةٌ جَميعُها مِنَ الوَجْهِ.
قِلَّةُ اسْتعمالِ اللَّفْظِ الَّذي فيه البَدَلُ:
فإذا كان ثَمَّةَ لفْظانِ بَمْعنًى واحِدٍ، ولا فَرقَ إلَّا في حرْفٍ واحِدٍ، فإنَّه يُمكِنُ أنْ يكونَ الحرْفُ في أحدِهما بَدَلًا مِنَ الحرْفِ الَّذي في الآخَرِ، فإنْ كان أحدُهما أقَلَّ في الاسْتعمالِ، عُلِم أنَّ الحرْفَ في اللَّفظِ الأقَلِّ اسْتعمالًا بَدَلٌ مِنَ الحرْفِ الَّذي في اللَّفظِ الأكْثرِ اسْتعمالًا، مِثْلُ: كَلِمةِ (الثَّعالي) بِمَعنى (الثَّعالِب)، و(الثَّعالي) أقَلُّ اسْتعمالًا مِنَ الثَّعالِبِ، فعُلِم أنَّ الياءَ في الثَّعالي بَدَلٌ مِنَ الباءِ في الثَّعالِبِ.
إذا كان اللَّفظُ فَرعًا والحرْفُ زائِدًا:
كما في: ضُوَيرِب تَصغيرِ ضاربٍ، فالمُصغَّرُ فَرعُ المُكَبَّرِ، وحلَّ مَحلَّ الألِفِ -وهُو حرْفٌ زائِدٌ- في ضاربٍ الواوُ في ضُوَيْرِب، وهِيَ في نفْسِ مَكانِها؛ فعُلِم أنَّ الحرْفَ الَّذي في الفَرْعِ (الواو) بَدلٌ مِنَ الحرْفِ الَّذي في الأصْلِ (الألِف).
إذا كان اللَّفظُ فرعًا والحرْفُ أصْلًا:
قد يكونُ الحرْفُ الَّذي في الأصْلِ بَدَلًا مِنَ الحرْفِ الَّذي في الفَرعِ، مِثْلُ: مُوَيْه، تَصغيرِ ماءٍ، إذ لَمَّا صُغِّر على (مُوَيْه)، عُلِم أنَّ الهَمْزةَ في الأصْلِ بَدَلٌ مِنَ الهاءِ الَّتي ظهَرت في الفَرعِ.
لُزومُ بِناءٍ مَجْهولٍ:
أيْ: لو لم يُحكَمْ بِالإبْدالِ في كَلِمةٍ ما، لَزِم أنْ يكونَ بِناءُ الكَلِمةِ مَجْهولًا، مِثْلُ:
- كَلِمة هَراقَ، الهاءُ بَدَلٌ مِنَ الهَمْزةِ، والأصْلُ: أَراقَ؛ لأنَّه لو لم يُحْكَمْ بِالإبْدالِ هاهُنا لَلَزِم بِناءٌ مَجْهولٌ لِلكَلِمةِ، وهو (هَفَعْل)، وهُو غيرُ مَوجودٍ في اللُّغةِ.
- كَلِمة (اصْطَبَرَ)، و(ادَّارك)، لو لم يُحكَمْ بِكَوْنِ الطَّاءِ بَدَلًا مِن تاءِ الافْتعالِ، والدَّالِ بَدَلًا من تاءِ الافْتعالِ، لَلَزِم ذلك بِناءا (افْطَعَل، وافَّاعل)، وهُما بِناءانِ مَجْهولانِ [1404] يُنظر: ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (197 – 199). .
الرُّجوعُ في بعضِ التَّصاريفِ إلى المُبدَلِ منه:
- إمَّا على وَجْهِ اللُّزومِ، مِثْلُ: إبْدالِهم الفاءَ مِن الثَّاءِ في جَدَث -وهُو القَبْرُ- قالوا: جَدَف، بِدليلِ أنَّهم قالوا في الجَمْعِ: أجْداثٌ، ولم يقولوا: أجْدافٌ.
- أو على جِهةِ الغَلَبةِ؛ كإبْدالِهم الطَّاءَ مِنَ التَّاءِ في: أفلَتَ، قالوا: أفلَطَ، والغالِبُ في الاسْتعمالِ هو التَّاءُ لا الطَّاءُ.
فإنْ لم يَثبتِ الرُّجوعُ إلى لفْظِ المُبدَلِ منه (الأصْليِّ) على جِهةِ اللُّزومِ أو الغَلَبةِ في لفْظٍ له استعمالان، فإنَّ ذلك اللَّفظَ حِينئذٍ يكونُ مِن أصْلَيْنِ، مِثْلُ: وَرَّخ وأَرَّخ؛ لأنَّ التَّصاريفَ جاءت بِهما جَميعًا، فقالوا: التَّأريخُ والتَّوْريخُ [1405] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 87). .
فَائِدةٌ:
ثَمَّةَ مُصْطلحاتٌ يَجبُ التَّفرِقةُ بينَها، وهِيَ:
1- القَلْبُ يُطلَقُ على أمرَيْن: قَلْبِ حرْفِ العِلَّةِ إلى حرْفِ عِلَّةٍ آخرَ، والثَّاني: تَصييرُ حرْفٍ مَكانَ حرْفٍ بِالتَّقديمِ والتَّأخيرِ، وهُو ما يُعرَفُ بالقَلْبِ المَكانيِّ.
2- تَخفيفُ الهَمْزةِ: يُطلَقُ على حذْفِ الهَمْزةِ أو قَلْبِها إلى أحَدِ أحْرُفِ العِلَّةِ الثَّلاثةِ، أو تَسهيلِها بِجَعْلِها بينَ الهَمْزةِ وبينَ أحَدِ حُروفِ العِلَّةِ (بَينَ بَينَ).
3- الإعْلالُ: يُطلَقُ على تَغييرِ حرْفِ العِلَّةِ بِالقَلْبِ أو بِالحَذْفِ أو بِالإسْكانِ.
4- الإبْدالُ: جعْلُ حرْفٍ مَكانَ حرْفٍ مُطلَقًا، فهُو يَصدُقُ على الإعْلالِ بِالقَلْبِ، لكنْ شاع إطْلاقُه على الحُروفِ الصَّحيحةِ، وشاع إطْلاقُ القَلبِ على أحْرُفِ العِلَّةِ ومعَها الهَمْزةُ لِكَثْرةِ التَّغييراتِ الَّتي تَعتريها [1406] يُنظر: ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (3/ 67)، ((الارتشاف)) لأبي حيان (1/ 334). .
فالإعْلالُ مُصطَلَحٌ عامٌّ يَشمَلُ القَلْبَ والحذْفَ والنَّقلَ، والقَلْبُ يَشمَلُ أحْرُفَ العِلَّةِ والهَمْزةَ معَها، أمَّا الإبْدالُ فهُو أعَمُّ مِنَ المُصطَلَحَين لكنَّ الإبْدالَ اشتَهَر بينَ الصَّرْفيِّينَ في الأحْرُفِ الصَّحيحةِ سِوى إبْدالِ الهَمْزةِ وأحْرُفِ العِلَّةِ بعضِها مَكانَ بعضٍ [1407] يُنظر: ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (3/ 67). .
وسوف نَفصِلُ بينَ الإبْدالِ والإعْلالِ في فَصلَينِ كَبيرَينِ؛ ونَتناوَلُ الإبْدالَ بِنوعَيه: القِياسيِّ وغيرِ القِياسيِّ، خلا إبْدالِ الهَمْزةِ وأحْرُفِ العِلَّةِ بعضِها مَكانَ بعضٍ، فسيُتناولُ في بابِ الإعْلالِ بِالقَلْبِ.

انظر أيضا: