الموسوعة العقدية

 الضَّحِكُ

صِفةٌ فعليَّة ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالأحاديثِ الصَّحيحةِ.
الدَّليلُ:
1- حَدِيثُ أَبِي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((يَضحكُ اللهُ إلى رَجُلينِ يَقتُلُ أحدُهما الآخَرَ، كِلاهما يدخُلُ الجَنَّةَ )) .
2- حديثُ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا في آخِرِ أهلِ النَّارِ خُروجًا منها، وآخِرِ أهلِ الجَنَّة دُخولًا فيها، وفيه: أنَّه قال مخَاطبًا اللهَ عزَّ وجلَّ: ((أَتسخَرُ بي؟ أَو أتَضحَكُ بي وأنت الملكُ؟...)) .
وأهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ يُثْبِتُون هذه الصِّفةَ وغيرَها من صِفاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ الثَّابتةِ له بالكِتابِ أو السُّنَّة الصَّحيحةِ؛ من غَيرِ تمثيلٍ ولا تكييفٍ، ويُسَلِّمون بذلك، ويَقولُون: كُلٌّ منِ عندِ ربِّنا.
قال الشَّافعيُّ: (للهِ تبارك وتعالى أسماءٌ وصِفاتٌ جاءَ بها كِتابُه، وأخبَرَ بها نبيُّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَّتَه… وأنَّه يَضحَكُ من عبدِه المؤمِنِ بقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للذي قُتِلَ في سبيلِ اللهِ: ((إنَّه لقِيَ اللهَ وهو يَضحَكُ إليهـ)) ...) .
وقال أبو عُبَيدٍ القاسمُ بن سَلَّام -لَمَّا قيل له: هذه الأحاديثُ التي تُرْوَى في: الرُّؤيةِ، و((الكُرسيُّ موضِعُ القَدَمينِ )) ، و((ضَحِكَ ربُّنا مِن قُنوطِ عبادِهـ))، و((إنَّ جهنَّم لتمتلئُ…))، وأشباه هذه الأحاديثِ- قال رحمه الله: (هذه الأحاديثُ حقٌّ لا شكَّ فيها؛ رواها الثقاتُ بعضُهُم عن بعضٍ) .
وقال ابنُ خُزيمةَ: (بابٌ: ذِكرُ إثباتِ ضَحِك رَبِّنا عزَّ وجلَّ: بلا صِفةٍ تصفُ ضَحِكَه جلَّ ثناؤه، لا ولا يُشبَّه ضَحِكُه بِضَحِكِ المخلوقين، وضَحِكهم كذلك، بل نؤمِنُ بأنَّه يَضحَكُ، كما أعلمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ونسكُتُ عن صِفةِ ضَحِكِه جلَّ وعلا؛ إذ اللهُ عزَّ وجلَّ استأثَرَ بصفةِ ضَحِكِه، لم يُطْلِعْنا على ذلك؛ فنحن قائلون بما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، مصَدِّقون بذلك بقُلوبِنا، مُنصِتون عمَّا لم يُبَيَّن لنا ممَّا استأثَرَ اللهُ بعِلمِهـ) .
ومعنى قَولِه: (بلا صِفةٍ تصفُ ضَحِكَهـ)، أي: بلا تكييفٍ لضَحِكِه.
وقال الآجُرِّيُّ: (بابُ الإيمانِ بأنَّ الله عزَّ وجلَّ يَضحكُ: اعلموا -وفَّقنا اللهُ وإيَّاكم للرَّشادِ من القولِ والعمل- أنَّ أهلَ الحقِّ يَصِفون اللهَ عزَّ وجلَّ بما وصَفَ به نفْسَه عزَّ وجلَّ، وبما وصَفَه به رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبما وَصَفَه به الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم. وهذا مذهبُ العُلَماءِ مِمَّن اتَّبع ولم يبتدِعْ، ولا يُقال فيه: كيف؟ بل التَّسليمُ له، والإيمانُ به؛ أنَّ الله عزَّ وجلَّ يَضحَكُ، كذا رُوِيَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعن صَحابتِه رَضِيَ اللهُ عنهم؛ فلا يُنْكِرُ هذا إِلَّا مَن لا يُحْمَدُ حالُه عندَ أهلِ الحقِّ) .
وقال ابنُ بطَّةَ: (سألتُ أبا عُمَرَ محمَّدَ بنَ عبدِ الواحِدِ صاحِبَ اللُّغةِ عن قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ضَحِكَ ربُّنا مِن قُنوطِ عِبادِه، وقُرْبِ غِيَرِهـ))، فقال: الحديثُ معروفٌ، وروايتُه سُنَّةٌ، والاعتراضُ بالطَّعنِ عليه بِدعةٌ، وتفسيرُ الضَّحِكِ تكَلُّفٌ وإلحادٌ) .
وقال ابنُ بطة: (بابُ الإيمانِ بأنَّ الله عَزَّ وجَلَّ يَضحَكُ، قال الشَّيخُ: اعلَمُوا -رَحِمَكم اللهُ- أنَّ مِن صِفاتِ المؤمنِينَ مِن أهلِ الحَقِّ تصديقَ الآثارِ الصَّحيحةِ، وتلَقِّيَها بالقَبولِ، وتَرْكَ الاعتراضِ عليها بالقياسِ، ومُواضَعةَ القَولِ بالآراءِ والأهواءِ؛ فإنَّ الإيمانَ تصديقٌ، والمؤمِنُ هو المصَدِّقُ؛ قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ  فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 65] ، فمِن علاماتِ المؤمنين أن يَصِفوا اللهَ بما وَصَف به نَفْسَه، وبما وصَفَه به رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ممَّا نقَلَتْه العُلَماءُ، ورواه الثِّقاتُ مِن أهلِ النَّقلِ، الذين هم الحُجَّةُ فيما رَوَوه من الحلالِ والحرامِ والسُّنَنِ والآثارِ، ولا يقالُ فيما صَحَّ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كيف؟ ولا لمَ؟ بل يتَّبِعون ولا يبتَدِعون، ويُسَلِّمون ولا يُعارِضون، ويتيَقَّنون ولا يشُكُّون ولا يرتابون، فكان ممَّا صَحَّ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، رواه أهلُ العَدالةِ، ومن يَلزَمُ المؤمنينَ قَبولُ روايتِه وتَرْكُ مخالفتِه: أنَّ اللهَ تعالى يَضحَكُ، فلا يُنكِرُ ذلك ولا يجحَدُه إلَّا مبتَدِعٌ مذمومُ الحالِ عند العُلَماءِ، داخِلٌ في الفِرَقِ المذمومةِ وأهل ِالمذاهِبِ المهجورةِ، عَصَمَنا اللهُ وإيَّاكم من كُلِّ بِدعةٍ وضَلالةٍ برحمتِهـ) .
وقال أَبو إسماعيلَ الصابونيُّ: (وكذلِك يَقولُونَ أي: بالإثباتِ في جميعِ الصِّفات التي نزَلَ بذِكرِها القرآنُ، ووردتْ بها الأخبارُ الصِّحاحُ؛ مِن السَّمعِ والبَصر والعينِ... والضَّحِكِ وغيرِها ...) .
وقال البَغَويُّ: (كُلُّ ما جاء به الكِتابُ أو السُّنَّةُ مِن هذا القَبيلِ في صِفاتِ اللهِ سُبحانَه وتعالى، كالنَّفْسِ، والوَجهِ، والعَينِ، واليَدِ، والرِّجْلِ، والإتيانِ، والمجيءِ، والنُّزولِ إلى السَّماءِ الدُّنيا، والاستواءِ على العَرشِ، والضَّحِكِ، والفَرَحِ... فهذه ونَظائِرُها صِفاتٌ للهِ عزَّ وجَلَّ، وَرَد بها السَّمعُ، يَجِبُ الإيمانُ بها، وإمرارُها على ظاهِرِها مُعرِضًا فيها عن التأويلِ، مُجتَنِبًا عن التشبيهِ، مُعتَقِدًا أنَّ الباريَ سُبحانَه وتعالى لا يُشبِهُ شَيءٌ مِن صِفاتِه صِفاتِ الخَلْقِ، كما لا تُشبِهُ ذاتُه ذواتِ الخَلْقِ؛ قال اللهُ سُبحانَه وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] .
وعلى هذا مَضى سَلَفُ الأُمَّةِ وعُلَماءُ السُّنَّةِ، تلَقَّوها جميعًا بالإيمانِ والقَبولِ، وتجَنَّبوا فيها عن التَّمثيلِ والتَّأويلِ، ووكَلوا العِلْمَ فيها إلى اللهِ عزَّ وجَلَّ، كما أخبَرَ اللهُ سُبحانَه وتعالى عن الرَّاسِخينَ في العِلْمِ، فقال عزَّ وجَلَّ: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران: 7] ) .
وقال أبو القاسِمِ الأصبهانيُّ: (قال أهلُ السُّنَّةِ: ما جاء عن الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الصِّفاتِ بأسانيدَ صِحاحٍ فهو حَقٌّ. وقال أحمَدُ في روايةِ حَنْبَلٍ: يَضحَكُ اللهُ، ولا نعلَمُ كيف ذلك إلَّا بتصديقِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وقد نَصَّ أحمَدُ على القَولِ بظاهِرِ الأخبارِ مِن غيرِ تَشبيهٍ ولا تأويلٍ) .
وقال ابنُ قُدامةَ المقدسِيُّ: (قَولُه: ((يَضحَكُ اللهُ إلى رجُلَينِ قَتَل أحَدُهما الآخَرَ، ثمَّ يَدخُلانِ الجَنَّةَ))، فهذا وما أشبَهَه ممَّا صَحَّ سَنَدُه وعُدِّلت رواتُه، نؤمِنُ به، ولا نرُدُّه ولا نجحَدُه، ولا نتأوَّلُه بتأويلٍ يخالِفُ ظاهِرَه، ولا نُشَبِّهُه بصِفاتِ المخلوقينَ، ولا بسِماتِ المحْدَثينِ، ونَعلَمُ أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى لا شبيهَ له ولا نظيرَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، وكُلُّ ما تخَيَّل في الذِّهنِ أو خَطَر بالبالِ، فإنَّ اللهَ تعالى بخِلافِهـ) .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (أمَّا الضَّحِكُ فكثيرٌ في الأحاديثِ. ولفظُ البَشْبَشةِ جاء أيضًا أنَّه يتبشبَشُ للدَّاخِلِ إلى المسجِدِ كما يتبشبَشُ أهلُ الغائِبِ بغائِبِهم إذا قَدِمَ، وجاء في الكِتابِ والسُّنَّةِ ما يلائِمُ ذلك ويناسِبُه شَيءٌ كثيرٌ.
فيقالُ لِمن نفى ذلك: لمَ نفَيتَه؟ ولمَ نفيتَ هذا المعنى، وهو وَصفُ كمالٍ لا نَقْصَ فيه، ومن يتَّصِفُ به أكمَلُ ممَّن لا يتَّصِفُ به؟) .
وقال علاء الدِّين ابنُ العَطَّارِ: (فإذا نطَقَ الكِتابُ العزيزُ ووردتِ الأخبارُ الصَّحيحةُ بإثباتِ السَّمْعِ والبَصَرِ، والعَينِ والوَجْهِ، والعِلْمِ، والقوَّةِ والقُدْرةِ، والعَظَمةِ، والمشيئةِ والإرادةِ، والقولِ والكلامِ، والرِّضا والسَّخَط، والْحُبِّ والبُغْض، والفَرَح والضَّحِكِ؛ وَجَبَ اعتقادُ حقيقتِه من غيرِ تشبيهٍ بشيءٍ من ذلك بصِفات المربوبينَ المخلوقينَ، والانتهاءُ إلى ما قاله اللهُ سُبحانَه وتعالى ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، من غير إضافةٍ ولا زِيادةٍ عليه، ولا تَكييفٍ ولا تشبيهٍ، ولا تحريفٍ ولا تبديلٍ، ولا تغييرٍ وإزالةِ لفظٍ عمَّا تَعرِفُه العربُ وتضَعُه عليه، والإمساكُ عمَّا سِوى ذلك) .
وقال محمَّدُ بنُ إبراهيمَ آل الشَّيخِ: (مِمَّا ورد في إثباتِ صِفةِ الضَّحِكِ للهِ جَلَّ وعلا ما ثَبَت في الصَّحيحينِ وغَيرِهما عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((يضحَكُ اللهُ إلى رجلينِ يَقتُلُ أحَدُهما الآخَرَ، كِلاهما يدخُلُ الجنَّةَ ))) .
وقال ابنُ عُثَيمين: (في هذا إثباتُ الضَّحِكِ لله عَزَّ وجَلَّ، وهو ضَحِكٌ حقيقيٌّ، لكِنَّه لا يماثِلُ ضَحِكَ المخلوقينَ، ضَحِكٌ يليقُ بجلالِه وعَظَمتِه، ولا يمكِنُ أن نمَثِّلَه؛ لأنَّنا لا يجوزُ أن نقولَ: إنَّ للهِ فمًا أو أسنانًا أو ما أشبَهَ ذلك، لكِنْ نُثبِتُ الضَّحِكَ لله على وَجهٍ يليقُ به سُبحانَه وتعالى) .

انظر أيضا:

  1. (1) أخرجه مطولاً البخاري (2826)، ومسلم (1890) واللفظ له.
  2. (2) أخرجه البخاري (6571)، ومسلم (186) واللفظ له.
  3. (3) أخرج نحوه البخاري (2826)، ومسلم (1890) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ولفظ البخاري: ((يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد))
  4. (4) يُنظر: ((طبقات الحنابلة)) لابن أبي يعلى (1/282).
  5. (5) )) أخرجه عبدالرزاق في ((التفسير)) (3030)، وأبو الشيخ في ((العظمة)) (2/582)، والخطيب في ((تاريخ بغداد)) (9/251). صححه الألباني في ((مختصر العلو)) (45)، ووثق رواته الذهبي في ((العلو)) (76)، وذكر ثبوته ابن تيمية في ((تلبيس الجهمية)) (8/364).
  6. (6) يُنظر: ((طبقات النحويين واللغويين)) للزبيدي الأندلسي (ص: 200)، ((التمهيد)) لابن عبدالبَرِّ (7/149). وراجع في هذه الصِّفة: كتاب ((الحجَّة في بيان المحجَّة)) لأبي القاسم الأصبهاني (1/429) (2/456)، ((المسائل والرسائل المرويَّة عن الإمام أحمد في العقيدة)) (1/315)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (6/121)، ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) للغنيمان (2/104). ويُنظر: كلام البَغوي في صفة (الأصابع)، وكلامَ ابن كثيرٍ في صِفة (السَّمع).
  7. (7) يُنظر: كتاب ((التوحيد)) (2/563).
  8. (8) يُنظر: ((الشريعة)) (ص: 277).
  9. (9) يُنظر: ((الإبانة الكبرى)) (7/ 112).
  10. (10) يُنظر: ((الإبانة الكبرى)) (7/ 91).
  11. (11) يُنظر: ((عقيدة السَّلف أصحاب الحديث)) (ص: 5).
  12. (12) يُنظر: ((شرح السنة)) (1/ 168 - 171).
  13. (13) يُنظر: ((الحجة في بيان المحجة )) (1/ 473).
  14. (14) يُنظر: ((لمعة الاعتقاد)) (ص: 11).
  15. (15) يُنظر: ((النبوات)) (1/ 449).
  16. (16) يُنظر: ((الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد)) (ص: 132).
  17. (17) يُنظر: ((فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم)) (13/ 136).
  18. (18) يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) (2/ 24).